حرب الاسكات … ماذا يحضرون الى سوريا ؟

كما كان منتظرا نفذ النظام الصهيوني المتدثر بهتانا بغطاء العروبة تهديده بغلق “الفضاء” أمام الإعلام السوري بعد أن أغلق الفضاء الارضى بما تبثه قنوات التضليل و التلفيق الصهيوني- نعم من حقنا أن نسمى الأشياء بمسمياتها- مساحة الرأي و الرأي الأخر على اعتبار أن ما تبثه قنوات أصدقاء سوريا هو الرأي و ما تبثه قنوات سوريا هو الرأى الأخر.

كان الأمر متوقعا و لم يكن مجرد تهديد أو عملية تخويف قامت بها العصابات الإرهابية التي فجرت مقر الاخبارية السورية و استهدفت مقر التلفزيون السوري الرسمي و طالت حياة و سلامة بعض الصحفيين السوريين لان ” الجماعة” لم يعد يهمهم احترام المواثيق الدولية أو الاتفاقيات الموقعة مع نايل سات و لا حق المواطن السوري في إعلامه الوطني أو حريته في المشاهدة و لا أن هذا القرار الغير الشرعي يعبر صراحة على منحى خطير في تكميم الأفواه الصحفية و يتعارض مع حرية نقل المعلومة و الإعلام.

يأتي هذا القرار الخطير الذي اتخذته الجامعة الصهيونية و وزراء الخارجية ….. لينهى الجدل القائم الذي كان يعتبر أن هاته المجموعات العربية الإرهابية التي يؤمها القطريون و السعوديون و المصريون- أعنى الأنظمة الصهيونية السعودية القطرية المصرية- لن تذهب إلى قطع شعرة معاوية الإعلامية و ستكتفي بالتخويف و لكن هذا القرار يأتي ليؤكد مرة أخرى أن الأنظمة العربية – كل الأنظمة العربية بدون استثناء- قد ذهبت بعيدا في حربها المعلنة على النظام المقاوم و على القضية الفلسطينية التي خذلها أصحابها ونظامها العربي و أن ما هو مطلوب الآن من الإدارة الصهيونية الأمريكية هو القضاء على آخر معقل من معاقل العروبة و الشرف و المقاومة و الممانعة.

على عكس ما يظن الشرفاء في الوطن العربي و في سوريا فان حرب الإسكات للصوت السوري تعطى الدليل القاطع و القوى و الواضح أن ما ينقله الإعلام السوري بغثة و سمينه هو الحقيقة بكل ما تعنيه الكلمة و أن هذه القنوات البسيطة “القديمة” بمفهوم إعلام الجزيرة و ما شابه الغارقة في البيروقراطية و الخطاب المحنط و التي تفتقر إلى أبسط الضروريات التقنية و الاتصالية و إلى الكوادر المتمرسة إعلاميا على الأرض السورية قد استطاعت قهر و إسكات الصوت الفج القبيح الكاذب المزور الملفق لمنظومة الإعلام الصهيونية.

على عكس ما يظن البعض أيضا فان هذا القرار يأتي كباكورة انتصارات سوريا على العدو الصهيوني من كل

” أصدقاء سوريا” الذين أكتشفهم السوريون و الشرفاء في العالم على هامش “مجلس اسطنبول” الذي كان الأداة التفجيرية و الإرهابية التي أستخدمها الصهاينة الخليجيون و الغربيون لطعن الوطن سوريا أي أن هذا القرار الذي يعرف الجميع أنه لن يؤدى إطلاقا إلى إسكات صوت الحق السوري قد جاء ليظهر للعالم قبح منظومة قطر السعودية تركيا إسرائيل الغرب و قبح هذه “الثورة” و قبح” المتمعشين منها و قبح الأدوات الغير شريفة التي تستعملها المجموعات الإرهابية المسلحة لخدمة المشروع الصهيوني باسم الجهاد المقدس و باسم الدين الاسلامى الحنيف.

لم يعد ممكنا اليوم في ظل تقنيات الاتصال المتطورة و في ظل القدرة السورية العلمية و في ظل التحالفات السورية مع الانظمة المساندة لها إسكات الصورة و الصوت السوري إلى الأبد بل على العكس فان هذا القرار الخبيث سيؤدى إلى ارتفاع نسبة المشاهدة للقنوات السورية و الاهتمام بما تبثه و الاقتناع برؤيتها و بخطابهــــــا و بصدقتيها لان كل ممنوع مرغوب ولان الأحرار يتماهون بعفوية تامة مع “المظلوم” مهما كان وجه الاختلاف معه.

لا شك أن البعض قد أنتبه إلى أنه و منذ فشل الرهان على معركة حلب تصاعدت لهجة المغامرين الصهاينة الخليجيين سواء من جهة رفض مهمة الأخضر الابراهيمى كما تم ذلك عند تعيين كوفي عنان أو من جهة الإصرار المعلن على مزيد ” التعاون” مع القاعدة و مع إسرائيل و مع مجلس العمالة الاسطنبولي الذي وضع في الواجهة لتبرير المطالبة بالتدخل العسكري خارج الإطار الشرعي القانوني لمجلس الأمن خاصة بعد الصفعات الروسية الصينية المتتالية في هذا المنبر.

لم تكن زيارة لوران فابيوس إلى لبنان و اجتماعه مع فلول النظام الصهيوني من 14 آذار الإعلامية واضحة على وجود أمر معين يدبر ضد النظام السوري و تشترك فيه المخابرات الفرنسية و الأردنية و التركية و البريطانـية و لا يمكن أن يقل عن وجود نية توجيه ضربة مخابراتية موجعة يتحدث البعض على أنها موجهة لهرم النظام تحديدا حتى يمكنهم استغلال الفوضى و الارتباك للدخول عسكريا بمساندة المجموعات الهائلة التي تقبع على الحدود أو التي تم تدريبها في قطر و بعض الدول السوفيتية السابقة.

إن اكتشاف الجيش السوري و الأجهزة الأمنية لعديد المعدات الاتصالية الفائقة الجودة و التقنية و تزامن ذلك مع اكتشاف التحالف القطري الفرنسي للتشويش على وسائل الاتصال العسكرية و الأمنية السورية في موضوع الطائرة الأخير و ما سبق من كشف عديد الصحف العالمية لوجود السفينة ” المخابراتية” الألمانية في عرض السواحل السورية للتشويش على الاتصالات العسكرية و مد الإرهابيين بالمعلومات اللازمة عن التحركات العسكرية السورية و ما ثبت من وجود عناصر مخابراتية متعددة نائمة داخل التراب السوري كل هذا و غيره مما تعرفه الأجهزة السورية و الأجهزة المتحالفة معها يعطى الانطباع المخيف بوجود عملية مخابرتيه كبرى يتم التحضير لها لتقصم ظهر النظام و تحول دون استثماره لانتصاره العسكري في حلب في المفاوضات التي لا يريدها ” أصدقاء سوريا”.

لعل من كان يظن بعد الحسم في حلب أن ” الجماعة” قد رجعوا إلى بعــض الصواب قد بدأ يعيد ترتيب أفكاره و تحاليله لان المنطق كان يقول أن معركة حلب ليست إلا مرحلة مهمة فقط و لكنها ليست مرحلة حاسمة للطرفين باعتبار أن الصهاينة من نظام قطر و السعودية و بعض لبنان السياسي و تركيا و الغرب و الصهيونية لن يسمحا بسهولة برفع الرايات البيضاء لان الأمر يتعلق بتقاتل مشروعين قتالا غير مسبوق سيحدد الوجه الجديد للمنطقة و سيلقى بضلاله على المشهد العربي و العالمي لعقود قادمة و بهذا المنظور فان حرب الإسكات للصوت السوري ليست إلا مرحلة أخرى من مراحل المحاولات المتكررة و العديدة التي يقوم بها الصهاينة لان الصراع في سوريا هو صراع مرتبط بتوازن القوى و يمثل بالتحديد عملية إرهاق و ضغضغة و تفتيت لذراع المقاومة الأول في المنطقة.

يبقى مؤشر مهم يجب التطرق إليه أن هذا القرار يأتي متزامنا مع اجتماع مجلس الجامعة الصهيونية “العربية” برئاسة الوزير اللبناني عدنان منصور و ربما جاء كنوع من العقاب لبعض من يقف مع سوريا في النظام اللبناني و يدفع إلى الحل السلمي و إلى كشف ملابسات ” الوجود” الارهابى داخل التراب اللبناني و ما يتبعه من صفقات السلاح التى يمولها الحريري كواجهة للنظام السعودي الساقط كما لا يجب أن نغفل على أن هذا القرار قد كان محور التهديد في أول اجتماعات الجامعة و يعود بنفس المناسبة لتنفيذه هذه المرة مما يوحى إن هذا الاجتماع قد تم لغايات معينة فيها المعلن و فيها المبطن و لا شك أن الصهيونية هي التي تسير من وراء الستار كل قواعد اللعبة و تخطط للأيام السورية المقبلة.

في كل الأحوال نستعيد بالذاكرة تصريحات الرئيس بشار الأسد الأخيرة و نعيد قراءة ما جاء بين السطور لنفهم سبب الانقلاب المصري المفاجئ و المتصاعد و نفهم سبب قرار الإسكات و نفهم سبب “التطاول” على الأخضر الابراهيمى من مجلس اسطنبول و نفهم أشياء كثيرة مع الوقت…نعم يجب إعادة قراءة التصريحات الأخيرة لنفهم أن هذا النظام مستعد و على دراية بما يحاك و متعود على الحرب الغامضة التي لا نفهمها و هذا هو المهم

أحمد الحباسى – تونس