وان تعدوا نعمة الله تحصوها

من طرف ???? السبت مارس 27, 2010 9:40 am

(وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصوها)

قال تعالى (وإن تعدوا نعمة الله لا تُحصوها) اعلم أن كل خير ولذة وسعادة بل كل مطلوب فإنه يسمى نعمة , ولكن النعمة الحقيقية هي السعادة الأخروية وتسمية ماسواها نعمة وسعادة إما غلط وإما مجاز , فكل سبب يوصل إلى سعادة الآخرة ويعين عليها إما بواسطة أو بوسائط فإن تسميته نعمة صحيحة وصدق لأنه يفضي إلى النعمة الحقيقية

فالأمور كلها بالإضافة إلينا تنقسم إلى ماهو نافع في الدنيا والآخرة : كالعلم وحسن الخلق وإلى ماهو ضار فيهما جميعاً كالجهل وسوء الخلق وإلى ماينفع في الحال ويضر في المآل كالتذذ باتباع الشهوات وإلى مايضر في الحال ويُؤلم ولكن ينفع في المآل كقمع الشهوات ومُخالفة النفس

فالنافع في الحال والمآل هو النعمة الحقيقية كالعلم وحسن الخلق والضار فيهما هو البلاء تحقيقاً وهو ضدهما , والنافع في الحال المُضر في المآل بلاء محض عند ذوي البصائر وتظنه الجهال نعمة ومثاله الجائع إذا وجد عسلاً فيه سم فإنه يعده نعمة إن كان جاهلاً , وإذا علمه علم أن ذلك بلاء سيق إليه , والضار في الحال النافع في المآل نعمة عند ذوي البصائر بلاء عند الجهال ومثاله الدواء البشع في الحال مذاقه إلا أنه شاف من الأمراض والأسقام وجالب للصحة والسلامة

واعلم أن النعمة يعبر عنها عن كل لذيذ واللذات بالإضافة إلى الإنسان ثلاثة أنواع : عقلية , بدنية مشتركة مع بعض الحيوانات وبدنية مع جميع الحيوانات
أما العقلية : فكلذة العلم والحكمة إذ يستلذها القلب المُعبر عنها بالعقل دون سائر الجوارح وهذه أقل اللذات وُجوداً وهي أشرفها لأنها لازمة لاتزول أبداً في الدنيا وفي الآخرة ودائمة لاتمل
فالطعام يشبع منه ويمل , وشهوة الوقاع يفرغ منها فتستثقل , والعلم والحكمة دائمة لاتمل ولا تستثقل ومَن ترك الشريف ورضي بالفاني الخسيس فهو مصاب في عقله محروم لشقاوته وأقل أمر فيه أن العلم والعقل لا يحتاج إلى أعوان وحفظة بخلاف المال :

إن العلم يحرسك وأنت تحرس المال , والعلم يزيد بالإنفاق والمال ينقص بالإنفاق
والمال يسرق والعلم لاتمتد إليه يد السارق فصاحبه آمن من فقده
لذة يُشارك الإنسان فيها بعض الحيوانات كلذة الرياسة والغلبة والاستيلاء وذلك موجود في الأسد والنمر وبعض الحيوانات

ما يُشارك فيها جميع الحيوانات كلذة البطن والفرج وهذه أكثرها وجوداً وهي أخسها , ولذلك اشترك فيها كل دابة حتى الديدان والحشرات وأما شره البطن والفرج فكسره مما يقوى عليه الصالحون وشهوة الرياسة لا يقوى على كسرها إلا الصديقون