كتب رفيق نصرالله: الماركسية الوهابية الجديدة!...

كتب رفيق نصر الله :
أن تكون ( إسلاموياً ) وتتحدث عن الحرية ، فيما ينظر الإسلامويون في مصر لكيفية تغطية وجه أبو الهول ، وإعتبار الشريعة مصدر التشريع فهذا أمر قد يكون مقبولاً في سياق الترابط ما بين التأسلم كنتاج لمرحلة ما بعد الوهابية الجديدة وما يخطط الآن ( لتأسلم ) الخرائط العربية ! ...

وقد يكون من الطبيعي ان ينخرط المئات من أتباع الزبائنية الفكرية والإعلامية في هذا المد الذي يجتاح الساحة العربية والإسلاموية ، حيث يقتنص عادة ( المحترفون ) هذه الفرص لتوظيف طاقاتهم ومنابرهم وأقلامهم لخدمة هذا لمشروع بهدف تمويل ما على غرار ما تقوم به صحيفة القومية العربية في بيروت ، وبعض الكتاب في العالم العربي ممن حسبوا يوماً على النهج القومي العربي ، حيث صاروا أجراء على الشاشات الممولة في مواقف محسوبة (ومفوترة) فيسخر أحدهم من منطق (المؤامرة) ويصير إصلاحياً وديمقراطياً وعلمانياً ومتأسلماً ، وينظر بحقوق الإنسان ، ويدعو هذا أو ذاك الى التنحي ، ويستنكر إقتحام السلطات المصرية لمكاتب مؤسسات ممولة أميركياً .

ولكن ان تكون يسارياً تدعي المنهج الماركسي في التحليل وبنيت تاريخاً على أمجاد النضال الطبقي والصراع ضد الإمبريالية والرجعية ، وثقافة الجهل ، ثم تنتهي في بلاط الوهابية الجديدة ، فهذا أمر لا يستحق إلا الشفقة على مجموعة أسماء كنا حتى الأمس نجهد في إقناع ذاتنا على انها تمتلك نوعاً من الوعي الجدلي للصراع بكل أوجهه سواء كان صراعاً مع العدو الإسرائيلي أو الإمبريالية الأميركية لمرحلة ما بعد الإنتداب والإستعمار ، أو في الساحات الداخلية ضمن مشروعية حلم التغيير والبحث عن العدالة الإجتماعية .

أن يتجاهل أحدهم وعلى الصفحة الأولى لصحيفة القومية العربية (المستقيلة) كل عناصر المؤامرة ، وكل هذا التحشيد الدولي والإقليمي ، وكل الغرائز المذهبية والطائفية وتوظيفها في إراقة الدوم السوري واللبناني مستقبلاً ، وأن يلغي كل خلفية لما يتم التخطيط له للمنطقة ، وان يجري مساومة مع منطق الإعلام الوهابي والمال القطري ، وطموحات جيفري فيلتمان وتأوهات حمد بن جاسم وعنترياته ، ويتساوى بطل ( الماركسية الهادئة) مع العرعور في تقييمه لوضعية المشهد السوري ، فإن في الأمر شيء من الغرابة .

ولعل اللافت في ان معظم خريجي ما كان يسمى منظمة العمل الشيوعي قد إنخرطوا في بلاط سلطة المال الذي إغتال الصحافة والثقافة والإنتماء القومي والوطني ، وعمم ثقافة بلهاء قادت كتاباً ومفكرين ليصيروا كتاباً بالقطعة في هذه الجريدة النفطية أو تلك ، أو من منظري مشروع المحافظين الجدد في المنطقة .

كنت شخصياً وحتى الأمس القريب أحترم بعض تجليات وكتابات (الموهوم) على صفحة القومية العربية واعتبره انه لايزال يملك حيزاً لافتاً من عملية قراءة المشهد العربي والإسلاموي السائد ، وكنت أرى ان كل ما يجري على الساحة الإقليمية لن يلوث ما تبقى من أقلام ستوكل اليها عملية إنتاج ثقافة مواجهة ، لهذا (التظليم) الذي سيجتاح كل القناعات ، لكن ان يتساوى مع العرعور ومع أبرشية رجال ونساء اسطنبول ، وهو يعرفهم ويعرف خلفياتهم فإن في الأمر ما يدفع للشفقة .

بدوره قدم برهان غليون نموذجاً لسقوط المثقف في براثن وإغراءات سلطة مفترضة ، وقدم نموذجاً للإزدواجية الشخصية بين القناعات والإنزلاق نحو أوهام مفترضة ونحو قناعات مرتجلة ، ولعلي ضحكت طويلاً عندما قرأت قرار ما يسمى بمجلس الإسطنبول وهو يمدد (صلاحية) برهان غليون لمدة شهر ، فبدا الرجل انه يعمل بالقطعة ، وقد تمّ إستئجاره بمهمة ما سيكون أول من سيدفع فاتورة هذا الإستخدام لأن المشروع سيتجاوزه في مرحلة ما .

بعض منظري (إفتتاحيات) صحف القومية العربية هم الآن تماماً في موقع برهان غليون ، يبدون انهم يعملون بالقطعة ، ليس لأنهم لا يملكون رؤاهم الواضحة لقراءة وتحليل مشهدية ما يجري بل لأنهم كتاب (اللحظة) لا يريدون إلا ان يتشاركوا وكل ثقافة السائد التي تبدأ من العرعور وتنتهي عند عبد الحليم خدام مبرراً بدور حمد بن جاسم التاريخي .

أنا هنا لا أدافع عن النظام في سوريا ، ولا أعتبره نظام ملائكة ، لكن أنا ما يهمني هو الهوية القومية والوطنية لسوريا ، التي تبدو الآن في خطر ويساهم عراعرة الثقافة العربية في تحطيم هذه الهوية وان من باب مناولة النظام في سوريا ووضعيته وعنوان الإصلاح والحرية .

أسألك ايها الماركسي المستقيل ، هل وضعت تصوراً لو إفتراضياً طالما نحن في زمن الثورات الإفتراضية للمشهد السوري فيما لو ... فيما لو ... سقط النظام ! ...

فقط أتمنى لو ترسم لنا صورة لهذا المشهد ، صورة الوجه الديمقراطي للقوى المنخرطة الآن تحت عباءة حمد ، أتمنى ان تحاول ولو بصورة إفتراضية ، وأرجوك لا تردد تلك الجمل التي يبرر بها البعض مثل وليد جنبلاط بأن عمليات التغيير قد تمر بحالات فوضى قبل ان تتضح صورتها ، فحتى الساعة لم تتضح كل الصور لحالات الفوضى الماثلة التي تسود الساعة العربية وغير ساحات إلا بإتاحة تعدد الزوجات وضرب كل التماثيل في مصر وشواهد القبور في تونس وليبيا .

أتمنى من الماركسي السابق لو يقدم قراءة للحالة الإسلاموية السائدة ولمشهد الرايات السود في طرابلس ، وهي تطالب بالخلافة ، وللدستور الجديد في مصر المستند الى الشريعة ، ولتأوهات مصطفى عبد الجليل أو زعيم تونس الذي لا أدري كيف جاء من باريس الى كرسي ( متأسلم ) في تونس .

حدثنا أيها الفيلسوف الماركسي عن الوهابية وعن ديمقراطية قائمة في بلدان الجزيرة العربية ، وعن دور الميديا ومال الميديا ، وأتمنى ان لا يصلك ابداً هذا المال حتى نظل نحترم بعض ما كان عندك وإن كنا لن نحترم بعض ما آلت اليه صحيفة القومية العربية السابقة والمستقيلة ايضاً ...

أيها الماركسيون السابقون ، لا يزال بعض الماركسيين الشرفاء في أريافهم وقناعاتهم وتحليلاتهم ومواقعهم أمناء على ما آمنوا به ، أما انتم فلا نقول إلا أنكم صرتم من أتباع الماركسية الوهابية الجديدة ... وبدل لحية ماركس وكتاب " ما العمل للينين " ... صارت لحية بن باز وحمد والعرعور هي البديل ! ... صحتين ! ...