عظمة سوريا (الدين لله والوطن للجميع)

من طرف **tofek11** الأربعاء أغسطس 19, 2009 5:19 am

في دولة شعارها ''الدين لله والوطن للجميع'' سوريا أو عندما تجاور المساجد الكنائس [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إذا رأيت يوما مسجدا تحيط به خمس كنائس فتأكد انك في سوريا؛ لأنك لن ترى هذه الصورة في أي مكان آخر من العالم. وإذا رأيت المسلمين والمسيحيين يحجون يوميا إلى مكان واحد جنبا إلى جنب، فاعلم أن ذلك المكان هو ضريح النبي يحيى ابن زكريا الموجود وسط حرم الجامع الأموي في قلب دمشق. هذه الصور التاريخية وغيرها كثير بقيت صامدة إلى يومنا هذا لتكشف للجميع بأن سوريا التي مر على ترابها الأنبياء والمصلحون والقديسون والفاتحون، كانت ولا تزال على مدار قرون من الزمن مدرسة تلقن العالم بأسره أصول التعايش السلمي والأخوي بين الأديان وثقافة الاحترام والتفاهم ونبذ الفوارق والفتن. تحولت المهمة التي قادتني إلى خمس محافظات سورية لتغطية فعاليات الطبعة السابعة من مهرجان طريق الحرير السنوي، إلى مهمة البحث عن إجابة عن تساؤلات عديدة طرحتها على نفسي منذ اليوم الأول الذي وصلت فيه إلى دمشق وكان أول يوم من أيام رحلة استكشافية دامت عشرة أيام وقفنا خلالها على عدة شواهد ومظاهر توضح أوجها متعددة للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في هذا البلد الذي تعاقبت عليه أعرق الحضارات والتقت فيه مختلف الثقافات والأفكار والمعتقدات وتفاعلت على أرضه حركات تجارية وثقافية بين دول الشرق والغرب، فكان مهدا لأكبر استثمار كوني تمثل في تجارة القوافل في زمن طريق الحرير. الإسلام ليس دين الدولة في دستور سوريا قبل أن تطأ قدماي لأول مرة بلاد الشام كنت أتساءل دائما لماذا يقال بأن الإسلام في سوريا لا يمثل دين الدولة؟ ولماذا دستور الجمهورية العربية السورية لا يقر بالإسلام كدين للدولة، بل يوضح فقط في مادته الثالثة من الباب الأول بأن ''دين رئيس الجمهورية الإسلام'' وأن الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع، لكن وبعد حديثـي إلى أهل الشام وتجوالي في عدد من محافظاتها تبين لي انه ليس من العبث إقدام المشرع السوري على إبعاد الدين عن مفهوم الدولة وقيامه بترسيم حرية الاعتقاد واحترام جميع الأديان وكفالة حرية القيام بمختلف الشعائر الدينية فـ17 بالمائة من سكان سوريا مسيحيون، وهي نسبة لا يستهان، بها خاصة، أن النمو الديموغرافي في سوريا يشهد تطورا ملحوظا على مر السنين ليصل عدد سكانها في آخر الإحصائيات إلى أكثر من 20 مليون نسمة، وعدد المسيحيين يتزايد بوتيرة سريعة خاصة وأنهم يشجعون الزواج بين العائلات المسيحية، لكن ربما لا يشعر سكان سوريا بذلك لأنهم بكل بساطة لا يفرقون بين مسلم ومسيحي والتواصل بينهم قوي؛ ففي الشام لا حديث عن الأقليات ولا اثر للخطابات المغذية للتفرقة ولا وجود للاختلافات حول الأديان، فحتى بلدة أفاميا بمحافظة حماه والتي كانت في الثمانينات معقلا للاخوان المسلمين يزورها المسيحيون والسياح الأجانب. عندما يجتمع المصحف الشريف بالصليب في باب تومة في قلب دمشق القديمة تستوقفك حارة باب تومة التي تقطنها أغلبية مسيحية ولا تزال شوارعها وبناياتها تحافظ على النمط المعماري التركي والعثماني، هنالك كل شيء يوحي بأنك وسط أغلبية مسيحية، سوق باب تومة تفتح أبوابها يوم الجمعة وتغلقها يوم الأحد، يمكنك أن تجد في محلات باب تومة بائعات يرتدين حجابا ويعملن في محلات معلق على جدرانها الصليب وصور المسيح والأيقونات، وهناك محلات تبيع المصحف الشريف ونسخ الإنجيل معا، وبمحلات الصيغة فانك تجد قلادات تحمل كلمة الله وأخرى عليها صورة المصحف وفي نفس الوقت قلادات تحمل الصليب وصور المسيح وهو مصلوب. وروى لنا سكان باب تومة حول علاقتهم بالمسلمين بأنها جيدة مبنية على التفاهم وروح التضامن القومي:''فهنا الدين لله والوطن للجميع''، يقول أحد الباعة الذي أكد أن المسيحيين والمسلمين يتضامنون مع بعضهم في الأعياد الدينية وفي مناسبات الصوم يحترم كل واحد عادات الآخر. وهناك من المسحيين من يصوم في رمضان ومنهم من يحفظ آيات قرآنية ويجتهد كثيرا لمعرفة المزيد عن الإسلام من خلال الأحاديث النبوية والقران الكريم. في الرصافة يقام قداس ثم تليه صلاة الغائب من المناسبات الدينية المسيحية الهامة في سوريا إحياء تذكار القديسين سرجيوس وباخوس، في 7 أكتوبر من كل سنة، وهي المناسبة التي يحضرها أيضا مسلمون سوريون وعرب. وهذا ما وقفنا عليه لدى حضورنا جانبا من احتفالات هذه السنة؛ حيث قررت السلطات السورية تأجيلها إلى يوم الاثنين 13 أكتوبر لتمكين الوفود المشاركة في مهرجان طريق الحرير من حضور مراسيم القداس الذي يقام في كاتدرائية القديس سرجيوس بالرصافة. وهو موقع أثري موجود بين محافظتي الرقة وحلب، وبمحاذاة الكاتدرائية يوجد جامع هشام بن عبد الملك لتتشكل صورة أخرى من صور تعايش المسيحيين والمسلمين في سوريا منذ قرون. ويحضر القداس السنوي مجموعة من الشخصيات والسلطات المحلية وتلاميذ المدارس والكشافة. وحسب جورج دالي، رئيس فرقة القديس ديمتريوس للكشافة، التي أسست سنة 1936، فإن عشرات الكشفيين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و30 سنة يتم اختيارهم كل سنة لحضور القداس والمساعدة في تنظيم الشعائر، وفي نفس اليوم أقيمت بجامع هشام بن عبد الملك صلاة الغائب لتتحول الرصافة إلى منبر روحي تسمع فيه صلوات عديدة لمذاهب متنوعة.