لا وطن ولا من يحزنون

ماذا وراء هذا التصريح المفاجئ الذي أطلقه المرزوقي قبل أيام وطالب فيه فرنسا بإعادة الأرض التي يقع عليها مبنى سفارتها في تونس باعتبارها أرضاً تونسية رفضت فرنسا إعادتها بعد انتهاء احتلالها للبلاد.
هذا الطلب، وهو حق وطني سيادي لتونس وليس منّة من المرزوقي، سرعان ما تراجع عنه هذا الأخير مصدراً بياناً رئاسياً خاصاً لتكذيب أنه طلب ذلك، وكم كنا نتمنى ألا يفعل ليكون هناك على الأقل ما يبيّض جزءاً من صفحته السوداء لدى مواطنيه التونسيين أولاً، ثم لدينا نحن المواطنين في البلدان العربية، لنشعر لمرة واحدة أن من استجلبهم ذلك الربيع العربي من أشخاص إلى السلطة ليسوا كلهم ممن يرفعون شعار: «بمشي الحيط الحيط وأقول يا رب ستر الغرب ورضاه».
بكل الأحوال، لم يخب أملنا فنحن أساساً لم نكن نأمل من المرزوقي وأمثاله أن يتخذوا مساراً وطنياً تكون فيه الأرض والسيادة والقرار حقوقاً غير قابلة للتنازل أو التفاوض أو السقوط بالتقادم.
المرزوقي لم يقل لنا لماذا لا يريد استرجاع أرض تونسية من محتل، وإن كان ذلك الاحتلال تحت عنوان دبلوماسي فهذا لا يبرر أن تكون خارج السيادة التونسية وليس هناك أي سلطة تحترم نفسها ومواطنيها ترتضي ذلك؟.. هل تقبل فرنسا نفسها أن تكون أرض السفارة التونسية على أراضيها خارج سيادتها؟ السؤال موجه للمرزوقي الذي استصغر نفسه وحطّ من قدر بلاده بوضعها بمستوى أدنى من أن تواجه فرنسا، فبئس هكذا حكّام لا يستترون بل يجاهرون بمعاصيهم و»بلاويهم» دون حياء أو خجل.
كان الأجدى بالمرزوقي أن يفاخر بطلبه فهذا ما تستدعيه الوطنية والشرف الوطني وليس أن يهرول مرعوباً فزعاً للنفي والتكذيب متهماً مرة أخرى أطرافاً خارجية بالتآمر لإسقاطه عبر تخريب علاقاته مع فرنسا.. هذه الأخيرة لم تضطر طبعاً للتعليق فلا داعي للقلق فهناك دائماً بين العرب من يتولى المهام القذرة، وهؤلاء ما أكثرهم اليوم.