حمـــــد بن جاســـم.. الفقــــــاعــــــــــة المــــوجهـــــــــــة

في البدء كانت الخيانة ثم كان حمد بن جاسم أي منا لا يمكن له أن يتذكر حمد قبل عام 1995 عندما دبر مع ابن خاله الذي يحمل الاسم نفسه –أي حمد بن خليفة- مؤامرة ضد خاله الأمير خليفة –والد الأمير الحالي حمد- وهي المؤامرة التي أطاحت بالأب لمصلحة الابن.. وسرعان ما قبض حمد بن جاسم ثمن خيانته لخاله تثبيته وزيراً للخارجية لتتوالى بعد ذلك المناصب وتدفعه إلى المقدمة عائلياً ثم سياسياً.
.. وللاحتفاظ بالمقدمة كان لا بد من خلخلة العائلة الحاكمة وتقسيمها، وهي التي قسمت أساساً بفعل الانقلاب بين الأب والابن، لكن التقسيم الذي أراده حمد بن جاسم كان موجهاً ضد عائلة الأمير نفسه، فبعد الانقلاب مباشرة تركز دوره في إبعاد الإخوة –إخوة الأمير- وفي تحجيم الابناء –أبناء الأمير من غير زوجته موزة المسند.
هذا التقسيم الذي مارسه حمد بن جاسم عَمّق الصراعات العائلية الموجودة أساساً باعتبار أن حكم أفرادها قائم على الانقلابات والغدر بالمحارم والأقارب بمن فيهم حكم خليفة نفسه الذي أطاح بابن عمه.
ويقول مسؤولون أميركيون من بينهم ضابط مقيم في قطر: إن تلك الصراعات وصلت إلى مستوى خطير جداً يهدد بانفجار الوضع برمته، مشيرين إلى أنه صراع يتركز اليوم بين الحمدين، وهو صراع حكم حيث تنقل تقارير إخبارية عن مصادر داخل العاصمة قولها: إن كلا الحمدين يتآمر للإطاحة بالآخر، فحمد بن خليفة أمسك بخيوط مؤامرة يحوكها وزيره ضده لإقصائه عن الحكم عبر تولية ولي العهد بشكل مؤقت ثم إزاحته بالتعاون مع عناصر مؤثرة في العائلة الحاكمة وبدعم أميركي كما سبق وحدث في انقلاب عام 1995.
بالمقابل فإن حمد بن جاسم أمسك أيضاً بخيوط مؤامرة يحوكها الأمير ضده لإقصائه ويقال: إن ذلك سيكون على خلفية قرب انتهاء الأزمة في سورية، فحمد بن خليفة ينأى بنفسه عن تصريحات وزيرة النارية الحاقدة والمتصاعدة ما يعني سياسياً الاحتفاظ بخيط رفيع لإعادة تصحيح العلاقات مع دمشق وهو ما فسره حمد بن جاسم بمؤامرة ضده يدبرها حمد بن خليفة بمساعدة الأميركيين ربما، وإذا ما حدث ذلك فسيكون أول من يضحى به ككبش فداء سمين ثمين وغير مأسوف عليه من أحد لا داخلياً ولا خارجياً.
لماذا غير مأسوف عليه؟
في الداخل وكما ذكرنا سابقاً فهو قاد من المؤامرات والخيانات ما يكفي وإذا صحت التقارير الأميركية فهو بات مصدر خطر على الأمير الذي لن يوفر وسيلة لإقصائه وهو لن ينجو إلا إذا أطاح المرض بأميره أو تخلى عنه الأميركيون أو إذا أعاد المؤامرة نفسها مع موزة المسند، وهذا احتمال ضئيل حسب مراقبين، فيما يذكرنا آخرون بحديث حمد بن جاسم في مقابلة أجرتها معه شبكة «إي بي سي» في 13 نيسان الماضي وقال فيها: إن التغييرات مقبلة على قطر وقد تطول الأسرة الحاكمة، لكنه استدرك ليقول بلهجة متزلفة: إن أمير البلاد المفدى دعم الإصلاحات والديمقراطية في بلده دون ضغوط خارجية أو عنف من الشارع.
في الداخل لم يترك له صاحب وفي الجوار الخليجي العربي فعل الشيء نفسه، فمؤامراته امتدت إلى أبناء الجلدة ودولهم.
ونبدأ من الفضيحة الأقرب التي تفجرت مؤخراً وكشفها نائب كويتي ومفادها تآمر حمد بن جاسم على أسرة آل الصباح الحاكمة عبر ضخ ملايين الريالات لشراء الولاءات ضدها.. وتحدى حماد أن يكذبه حمد وإذا فعل فسيخرج مالديه من أدلة موثقة وموثوقة.
وحمد بن جاسم كما ينقل عنه يعد الكويت والسعودية والإمارات ولايات تابعة لقطر يجب استردادها، ونحن لا نزال نذكر الشتائم التي كالها للشيخ زايد عندما لم يؤيد انقلاب الحمدين، وكانت السعودية -وسورية أيضاً- اتخذت الموقف نفسه.
ويقال إن حمد بن جاسم يثأر اليوم من تلك الدول، وعليه فإن للسعودية نصيباً من التآمر، فحسب مقطع مسجل بصوت حمد بن جاسم بث على شبكة الانترنت، يقول: إن النظام السعودي ساقط لا محالة على يدي قطر التي ستدخل المنطقة الشرقية وتقسم السعودية، فالنظام هناك هرم ولا أمل في الجيش لإحداث تغيير.
تآمر حمد لم يقتصر على الجوار بل تعداه إلى دول عربية أخرى، ففي مصر كشفت وثائق ويكيليكس أنه أبلغ إسرائيل تبني قطر خطة لضرب استقرار مصر بعنف، وأن قناة الجزيرة تلعب دوراً محورياً في تنفيذ هذه الخطة عن طريق اللعب بمشاعر المصريين لإحداث كل هذه الفوضى المستمرة منذ ما يزيد على عام.. وكانت التحقيقات المصرية فيما يعرف بقضية التمويل الأجنبي كشفت تورط قطر بضخ ملايين الدولارات لجمعيات أهلية مصرية متهمة بنشاطات مشبوهة، وفي القضية نفسها المتهم أيضاً مسؤولون أميركيون وجمعيات أميركية عاملة في مصر.
ونعود إلى ليبيا، فجميعنا راسخ في عقله وقلبه كيف جَرّت قطر ممثلة بحمد بن جاسم جامعة الدول العربية إلى طلب التدخل العسكري فيها والذي انتهى إلى غرق البلاد في فوضى سلاح واقتتال دفع بالعديد من المسؤولين الليبيين إلى فضح دور قطر وحمد في التآمر على بلادهم وصولاً إلى تقسيمها.
وفي تونس نراقب جميعاً كيف تحول حكامها الجدد إلى لعبة بيد حمد يوجهها كرأس حربة ضد دول أخرى، وإن كان لم يفضح بعد دور حمد فيما شهدته تونس.
وتبقى سورية شوكة في حلق حمد الذي فشل عبر أشهر في كسرها رغم انه يقود مع «جزيرته» والغرب حرباً عالمية ضدها لم يسجل التاريخ مثيلاً لها في أي زمن ضد بلد من البلدان.
في الكواليس يقال: إن حمد يكاد يجن جنونه وفي كثير في الأحيان يفقد أعصابه خلال لقاءاته مع مسؤولين أميركيين متوسلاً إليهم التدخل عسكرياً بعد أن وصل إلى قناعة مطلقة بأن إسقاط سورية أمر مستحيل دون ذلك، فالشعب تلاحم مع قيادته والجيش متماسك والمؤسسات ثابتة والسلك الدبلوماسي متوحد، هذا عدا عن العجز المطلق في ثني حلفاء سورية عن دعمها رغم عظم الضغوط من جهة وسخاء الامتيازات المقدمة من جهة أخرى.
وربما كانت الضربة القاضية هي تلك التي تلقاها حمد من فيتالي تشوركين المندوب الروسي، فالواقعة التي ضجت بها وسائل الإعلام ووثقتها بالصوت كانت كافية لإعادة حمد إلى حجمه (وإن كان جرى نفيها لاحقاً لاعتبارات دبلوماسية كما يرى مراقبون).
.. في تلك الواقعة هدد حمد تشوركين وأنذره من استخدام الفيتو لصالح سورية (وهو تهديد وصف بأنه نكتة الموسم) ورد تشوركين ملقناً حمد درسا في أصول التخاطب وأدب اللياقة الدبلوماسية قائلاً: إذا تكلمت معي بهذه النبرة مرة أخرى لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم... بعدها انعقد لسان حمد وانكمش على نفسه فيما شبه مراقبون رد تشوركين بالطريقة التي رد بها نيكيتا خروشوف رئيس الاتحاد السوفييتي السابق –أيام العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عندما خلع فرده حذائه في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة ووضعها على المنصة بجوار خطابه الفولاذي ضد الولايات المتحدة.
وسأل الصحفيون منذذاك خروشوف لماذا فعل ذلك فقال: إنها رسالة صامتة، وقد وصلت الرسالة.. هنا لا مكان للأغبياء.
وعطفاً، نحن نقول: هنا في سورية لا مكان للخونة والمتآمرين وهم إذا مروا خلسة واستقروا فيها متخفين فهي لا تلبث تكشفهم وتفضحهم وتلفظهم ليهلكوا بجريمة تدنيسهم قدسية أرضها ووطنية أهلها.