مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 135 بتاريخ الإثنين مارس 04, 2019 2:40 am
بحـث
دخول
أقســــــــــــــام المنتدى
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط دوير المليحة جنات ع مد النظر على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط دوير المليحة جنات ع مد النظر على موقع حفض الصفحات
الموضوع الشعبي والاكثر تصويتا ومشاهدة
أخوتي الكرام من خلال ردودكم على المواضيع والتصويت عليهايصل الموضوع وكاتبه على درجات تمكنه من ان يكون الموضوع الاكثر شعبية والكاتب الأهم في المنتدى لذلك نرجو الرد على المواضيع التي تقرأوها والتصويت عليها بالضغط على زر (+) أو( -) الموجودعلى يسار الموضوع مرحباً بكم : الإدارة
أبو الطيب المتنبي
3 مشترك
دوير المليحة جنات ع مد النظر :: ألغاز و مســـــــــــــــــــابقات :: التعــــــــــــــــــــــــــليم المفتـــــــــــــــــــــــــوح
صفحة 1 من اصل 1
أبو الطيب المتنبي
المتنبي، أبو الطيب أحمد (915-965): شاعر عربي، ولد في الكوفة ودرس فيها. هرب صغيراً من فظائع القرامطة إلى بادية الشام فأتقن العربية. بعد عودته احترف الشعر، ومدح رجال الكوفة وبغداد. تنقل بين مدن الشام يمدح شيوخ البدو والأمراء والأدباء. ولما لم يستفد من الشعر، أشعل ثورة صغيرة اختلطت فيها المبادئ السياسية بالدينية، لكن عامل الإخشيد قضى عليه وسجنه، ثم أطلق سراحه، فعاد إلى حياة التنقل والمديح. اتصل بسيف الدولة الحمداني، وصار شاعره وصديقه المقرب، وعاشا معاً في بلاط سيف الدولة في حلب تسع سنوات يغدق سيف الدولة عليه المال، ويفيض المتنبي بأروع القصائد في مديحه. لكن الوشاة أفسدوا علاقتهما، فهرب إلى مصر ومدح كافور الإخشيدي، الذي لم يحقق وعده بإكرامه، فانتقل إلى العراق متنقلاً بين مدنها. قتله أحد من هجاهم قرب موقع دير العاقول. في شعره مبادئ فلسفة تشاؤمية وتعصب واضح للعروبة. تظهر فيه شخصيته قوية الأسلوب، متدفقة ومتحررة، لكنه حافظ على الصورة الشعرية المأثورة.
يتبع ....>>>
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي
في فجر حياتي الأدبية شغفت بأبي محسَّد، وكان هذا الشغف يكبر معي.. لذا كانت هذه الدراسة استقطارا لذلك الشغف المتنامي.
كفى العربية فخرا شامخا وعزا ساميا أن تنجب هذه الشخصية الفريدة في فكرنا العربي. ولا أحسب شاعرا عربيا كان يمكن أن يكون في هذا العصر أبعد صرخة وأكثر حماسة وأورى زندا من هذا الشاعر. وقد لا أعدو الصواب إذا قلت أن المتنبي أغزر الشعراء فضلا وأوسعهم شهرة وأعلاهم منزلة، فقد رفع شأن الشعر العربي وأحله مرتبة لم تكن له من قبل، وحمل الراية عاليا، وفتح للشعراء طرائق الخلد، وسن لهم سنن المجد. وبذلك تبوأ مكانة رفيعة ومنزلة سامية، مما دفعنا إلى الإعجاب بعبقريته والافتتان بشعره.
ولد الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي في محلة كندة بالكوفة . وقد أجمع الرواة أن تاريخ مولده هو سنة 303 هـ. ذكره ابن خلكان في تاريخه فقال: أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور، وقيل هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار والله أعلم . وقال عنه ابن رشيق في كتابه العمدة: إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس ذلك هو أحمد بن الحسين الملقب بأبي الطيب المتنبي) .
ومهما يكن فهو عربي الأصل، نشأ في أسرة فقيرة، ويعرف أبوه بعبدان السقاء كان عمله سقاية الماء في محلة كندة، وقد أرسله حين درج إلى مدارس العلويين في الكوفة ليتعلم فيها القراءة والكتابة مع فريق من أولاد أشراف العلويين. وأخذ يختلف على دكاكين الوراقين لمطالعة بعض الكتب والكراريس، وكانت هذه الحوانيت منتدى للأدب، يقصدها العلماء والأدباء والباحثون، فلا بد أنه كان يلقى فيها كثيرا منهم ويتصل بهم. وطبيعي أن تلك الحوانيت هي التي مهدت للمتنبي ثقافته الأولى، ساعده على ذلك ذكاؤه الحاد، ويروى عنه أنه كان قوي الذاكرة، سريع الحفظ. وأنه ذهب إلى البادية وأقام فيها سنتين لتقويم لسانه وتعلم اللغة. ويبدو أنه سافر لهذه الغاية عندما أغار القرامطة على الكوفة سنة 312هـ، وغادرها ثانية سنة 319هـ مع كثير من أهلها لعودة القرامطة إليها بعد انتصارهم على جيوش الخلافة. ويحدثنا الرواة أنه خرج إلى بادية بني كلب. فأقام بينهم مدة ينشدهم من شعره ويأخذ عنهم اللغة، فعظم شأنه بينهم، حتى وشى بعضهم إلى لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدية بأن أبا الطيب ادعى النبوة في بني كلب وتبعه منهم خلق كثير، ويخشى على ملك الشام منه، فخرج لؤلؤ إلى بني كلب وحاربهم وقبض على المتنبي وسجنه طويلا ثم استتابه وأطلقه . ونحن لا ندري على وجه التحقيق لم ذهب المتنبي إلى البادية، هل ذهب إلى هناك ليتقن اللغة، أم أن أباه اضطر إلى الهرب من الكوفة واللجوء إلى الصحراء نتيجة للحوادث السياسية والاضطرابات التي كانت تتعرض الكوفة آنذاك!! فنحن نعلم أن الكوفة كانت عرضة لهجمات القرامطة الذين أقاموا لهم حكومة في البحرين، وكان النزاع بين رئيسهم أبي طاهر وبين الخلافة العباسية شديدا، فقد هاجم أبو طاهر البصرة سنة 311هـ، وقطع طريق الحج وسلب الحجاج العائدين من مكة سنة 312هـ.
وفي السنة نفسها قطع طريق الحجاج العراقيين الذاهبين إلى مكة، واغتنم فرصة الذعر الذي استولى على العراقيين، فدخل الكوفة ونهبها وضربها ثم عاد إلى البحرين. فلعل هجرة والد أبي الطيب إلى البادية كان نتيجة لهذا الذعر الذي لحق الكوفيين. ومهما يكن من سبب هذه الهجرة إلى البادية، فإننا نعلم أن والده استقر به في بادية السماوة عند بني الصابي، وهم فرع من جشم بن همدان أخواله، ومكث سنتين في بادية السماوة، ويبدو أن القرمطية اجتذبت في بدء ظهورها أنصارا لها من أوساط البدو المتحمسين. ولعل تلك الدعوة تناولت القبائل كافة ، مما حمل الدكتور ر. بلاشير على الاعتقاد بأنه لقي بعض القرامطة فتأثر بهم، فإن لم يتأثر بالدعوة القرمطية فليس بمستبعد أن يكون أصابه الاضطراب من جراء المأساة التي قلبت أوضاع الخلافة ويتابعه في هذا الرأي الدكتور طه حسين إذ قال: إن المتنبي قد أصبح قرمطيا من أثر بقائه في البادية، إذ أن القرامطة منذ ظهروا كانوا يجدون في بادية الشام حماسة للدعوة، فهو تأثر بهم أو أنه أصبح داعية من دعاتهم، وأنه طمع في أن يستهوي (بدر بن عمار أمير طبريا) إلى قرمطيته القديمة
عاد المتنبي إلى الكوفة ، ورجح بعض الباحثين أن ذلك كان سنة 315هـ، واستقر في الكوفة ، ولا نعلم على وجه التحقيق كيف قضى المتنبي حياته في الكوفة بعد عودته إليها، وكل الذي نعلمه أنه اتصل بشخص يعرف أبو الفضل الكوفي، وأبو الفضل هذا رجل قد ثقف الفلسفة. يقول صاحب الخزانة: إن أبا الطيب وقع في صغره إلى واحد يكنى أبا الفضل بالكوفة من المتفلسفة فهوسه وأضله كما ضل . ولا ندري إذا كان أبو الطيب قد درس عليه الفلسفة حقا! وكل الذي نعلمه أن صاحب الوساطة يذكر لنا شعره الذي تأثر فيه بالفلسفة اليونانية، فهل كان ذلك لأنه درس الفلسفة، أو كان من أثر هذه الآراء العامة التي كانت شائعة بين المثقفين في ذلك العصر! ونحن أميل إلى الاعتقاد الثاني، فدراسة الفلسفة لا بد أن تكون قد تركت لها آثارا على شعره. وقد مدح أبو الطيب أبا الفضل بقصيدة غريبة فيها أبيات تلفت النظر أنها في الحقيقة تحوي آراء هي التي حملت بعض الباحثين على القول باعتناق المتنبي لمذهب القرامطة. ولكن ناشر ديوان المتنبي يقول عنها إن المتنبي إنما قالها ليمتحن عقب أبي الفضل، وكلا التفسيرين يجانبان الواقع، فنحن نعتقد أن المتنبي إنما ذكر هذه الصفات وهذه الآراء ليفخم بممدوحه، وأن المتنبي لم ير بأسا في مدح من يعتنق هذه المبادئ فيقول مثلا:
يا أيها الملك المصفى جوهرًا
من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
نور تظافر فيك لاهوتيّه
فتكاد تعلم علم ما لم يعلما
ويهم فيك إذا نطقت فصاحة
من كل عضو منك أن يتكلما
أنا مبصر وأظن أني نائم
من كان يحلم بالإله فأحلما
كبر العيان عليَّ حتى أنه
صار اليقين من العيان توهما
ولكن هذا الكلام، وإن كان صريحا في ذكر الحلول، فلا يدل على أن المتنبي كان قرمطيا، وربما كانت هذه عقيدة ممدوحه أبي الفضل فذكرها تقربا إليه، وهو على كل حال، يدل على عدم اهتمام المتنبي بالتمسك بروح الدين. وبعد رجوعه من البادية إلي الكوفة ، لم يطل مكثه بها، فتركها إلى بغداد ، ولم يبق في بغداد طويلا، فخرج عنها إلى الشام. يقول طه حسين: إن المتنبي إنما ترك الكوفة بسبب عقيدته القرمطية خشية على نفسه من يؤاخذ، وأنه خرج إلى الشام بسبب هذه العقيدة ليتصل بالدعاة هناك ويعمل على نشر الفكرة .
دانية
حياة المتنبي
ولد أبو الطيب المتنبي عام 915 للميلاد بمدينة الكوفة في العراق. ويزعم البعض أن والده كان بائع ماء ينتسب لأصول رفيعة الشأن من عرب الجزيرة العربية. وفي سنوات فتوته, نال المتنبي قدراً طيباً من التعليم في مدينة دمشق بالشام، وهو التعليم الذي تمكن من تحقيقه جزئياً بفضل موهبته الشعرية. كما تعلم في صباه عادات ولهجة قبيلة بني كلب العربية البدوية لأنه نشأ في كنفها.
في شبابه لقب بالمتنبي دون أن يكون معروفاً حتى الآن بشكل قاطع السبب الحقيقي وراء هذا اللقب. يقول بعض الدارسين إنه لقب به لأنه شبه نفسه بالنبي صالح في بعض أبياته. فيما يقول آخرون إن نشاطاته السياسية هي التي أكسبت الشاعر الشاب هذا اللقب الغريب. فقد كان يتزعم حركة ثورية وادعى النبوة وقاد ثورة في مسقط رأسه الكوفة عام 932. وقد قمعت هذه الحركة ووضع هو في السجن. وفي هذه المرحلة من حياته بدأ بكتابة أولى قصائده.
لم تنته حياة المتنبي السياسية بفشل حركته. فطوال حياته كان يطمح لاكتساب النفوذ السياسي رغم أن طموحاته لم يكتب لها التحقيق أبداً. فقد رحل من العراق إلى الشام ومصر وفارس بحثاً عن حاكم كبير الشأن يمكن أن يجعله عاملاً له على أحد الأقاليم. غير أن مهارات المتنبي في إدارة أمور الحكم لم تجد من يعترف بها أبداً رغم أن موهبته الشعرية كانت تجعل المجد يسبقه أينما ذهب.
وقد قادته طموحاته السياسية بادئ الأمر إلى مدينة حلب في الشمال السوري حيث انضم لبلاط أميرها سيف الدولة الحمداني. ومنذ وصوله إليها عام 948, حظي المتنبي بحماية سيف الدولة طوال تسع سنين تقريباً قبل أن تتسبب كبرياؤه وطموحاته السياسية في خسارته لود راعيه وتجعل الرحيل عن حلب الخيار الوحيد المتاح أمامه. وفي عام 957 اضطر للسفر إلى مصر التي كان يحكمها الإخشيديون. وهناك كسب الشاعر حماية حاكمها أبو المسك كافور الإخشيدي, غير أن هذا الود لم يدم طويلاً. ووجد نفسه مضطراً عام 960 للهرب من مصر بعد أن كتب عدة قصائد مقذعة هجا فيها كافور.
هذه الحياة المضطربة أخذت المتنبي بعد مصر إلى شيراز في إيران حيث عمل في بلاط حاكمها عضدالدولة شاعراً حتى عام 965. وفي ذلك العام لقي المتنبي مصرعه حين هاجمته قريباً من بغداد عصابة من قطاع الطرق - سبق له أن هجا قائدها - في طريق عودته إلى العراق
كيف نفهم المتنبي
جموح الخيال والاستعارات الحالمة والمبالغات في الصور مما نجده في شعر المتنبي جعلت الكثيرين يصفونه بأنه المثال الأبرز لشعر المديح والفخر. ولنفهم أهمية المتنبي في الشعر العربي, علينا أن ننظر عن كثب لأنواع الشعر السائدة في عصره.
تنقسم الأشكال الشعرية السائدة حينها وفق القواعد التقليدية إلى شعر الغزل الذي يضم قصائد الحب والقطعة أو المقطوعة وهي نوع أدبي أصغر وأقل جدية يتحدث عن الجانب الهزلي من الحياة وهناك القصيدة وهي الأسلوب الذي اختاره المتنبي بأسلوبه التأكيدي الأكثر ذاتية، ولكن ببعض التعديل.
ولدت القصيدة الشعرية مع فجر المجتمع العربي قبل الإسلام. وتطورت لتصبح الشكل الأول للأدب العربي والذي كان أساساً شعراً يتحدث عن الشجاعة والإقدام تفخر به القبائل في بدايات العصور العربية. القصيدة في مضمونها تصف مراحل من حياة كاتبها وتجاربه أو حياة وتجارب قومه. وكان هذا الوصف يصاغ بأسلوب مفعم بالقوة والرصانة. بنية شعر القصيدة تتضمن ما بين عشرين وأكثر من مئة بيت. كما أن أسلوب القصيدة القائم على الالتزام بالبحر والقافية نفسيهما في كل الأبيات لا يزال سائداً حتى اليوم.
يبدأ الشاعر القصيدة بمقدمة هي بالضرورة أبيات غزل تعرف باسم النسيب. بعدها يأتي وصف الشاعر لتجربته التي يريد التحدث عنها. ثم ينتقل إلى الخاتمة التي تتضمن جزءاً يمدح فيه معطيه ويهجو أعداءه. وفي أحوال نادرة, يحس الشاعر بالحرية لينهي قصيدته بأبيات يفخر بها بنفسه وقد اعتاد المتنبي على فعل ذلك مراراً. وكانت القصيدة شديدة الجاذبية للعرب، وأصبحت تعتبر الشكل الشائع لشعر المديح, وهو عموماً نص شعري يمتدح فيه الشاعر زعيماً معيناً يرفع فيه من شأنه وخصاله.
وإلى جانب ذلك كانت القصيدة تكتب أيضاً للتعبير عن المواضيع الفكرية. إذ في سياق تطورها أصبحت المقدمة أحياناً تتحدث عن الطبيعة أو الحكمة. وفي أحيان نادرة كانت المقدمة تستخدم ليثبت فيها الشاعر فصاحته وتمكنه من اللغة في تعبيره عن نفسه.
مضى المتنبي بالقصيدة خطوة أخرى وبز كل شعائرها بفضل ما وصفه الدارسون بأنه "جموح خياله وجرأته". وفي نتاجه الشعري جرب المتنبي ومزج بين التقاليد الأدبية في الشام ومصر والعراق والمعايير الأدبية العربية التقليدية الصارمة. وقصائده التي كتبها - مدائح لرعاته بأبيات مقتضبة وجذلة لا تزال ترددها الألسن حتى اليوم- كانت دائماً تلهب خيال العرب وخصوصاً زعمائهم. إذ دائماً ما تمتع المتنبي بقدر كبير من المعجبين بقصائده المفعمة بعباراته القوية وجرسها الرفيع. ومرة أخرى, فإن القارئ لأشعاره المترجمة من غير المحتمل أن يشعر بقدر كبير من المتعة الفنية مثلما يفعل قارئه العربي.
كان المتنبي الذي ملأ الفخر بالنفس رأسه يتغنى في كثير من الأحيان بمآئره مثلما نجد في بيته الشهير:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
إن فهماً أعمق للقامة الشعرية العالية للمتنبي تتطلب معرفة المهارات التي يتوجب على الشاعر العربي أن يمتلكها. أولاً يجب أن تكون للشاعر ثقافة عالية وبالتالي أن يكون حسن التعليم. كما يتوجب عليه أن يتجاوز مجرد المعرفة العامة بالأدب التقليدي العربي والفارسي. أضف لذلك أن عليه تحقيق قدر طيب من المعرفة بمختلف الميادين العلمية وأهمها إطلاعه على الأساطير والقصص والمعتقدات العامة والتقاليد الشعبية. كما يتطلب الأمر منه المقدرة على بناء مزيج من هذه العناصر وغيرها وأن يشير إليها في قصائده. هذا المزيج كان فناً يمسك المتنبي بناصيته وأعطى به صوراً شعرية خيالية تعتمد في أغلب الأحيان على هوايات الحكام مثل الشطرنج والصيد والفروسية وغيرها.
وشأن غيره من الشعراء في عصره, تلاعب المتنبي بالتوريات للتعبير عن رأيه بأسلوب ممتع. بل إنه مضى بهذا الفن شوطاً آخر حين كتب قصائد يمكن أن يكون لها معنى آخر حين تقرأ بشكل عكسي كلمة بكلمة. وكان المتنبي أيضاً قادراً على استخدام التاريخ الجُّملي, وهي أرقام تدل على تاريخ حدث معين تنتج عن احتساب القيم العددية لجملة أو لبيت شعري حين فك رموزه ويريد منها الشاعر أن يذكر تاريخ حدث معين أو تجربة يتحدث عنها في قصيدته. ويتضح هذا في هذه الأبيات من إحدى قصائد المتنبي:
المجد عوفي إذا عوفيت والكرم وزال عنــك إلى أعدائــك الألــم
وراجع الشمس نور كان فارقها كأنمــا فــقده في جسمهــا سقــم
تفرَّد العرب في الدنيــا بمحتده وشارك العرب في إحسانه العجم
كان فخر المتنبي بنفسه يصل في كثير من الأحيان حدود الغرور. وكان هذا الفخر هو الأساس الذي قام عليه جزء كبير من أشعاره. وبشكل ما كان المتنبي شخصية مثيرة للجدل في عصره. فقد حقق شعره نجاحاً كبيراً بغنى كناياته وقصائده البارعة سواء في المديح الماكر أو الهجاء المر. وكانت مواضيع قصائده تثير في الذهن دوماً الخصال التي يجلها العرب ولا تفقد قيمتها مع الزمن مثل الصدق في الوعد والاعتزاز بالنفس والصدق في المعشر والشجاعة والفروسية.
النتاج الشعري للمتنبي اجتذب في حياته ولا يزال يجتذب حتى الآن قدراً كبيراً من الاهتمام. وشأن الكثير من الشخصيات الجدلية في التاريخ, فإن الاهتمام الذي حظيت به قصائده أعطته الشعبية وفتحت أمامه أبواب قصور الحكام في مراكز الإشعاع الثقافي العربي في القرن العاشر الميلادي. وحتى اليوم لا يزال المتنبي صعباً على الفهم نوعاً ما. فهناك هالة تشوبها بعض الضبابية تلف أعماله وشخصيته، كما ولا يعرف الكثير عن حياته. وربما يساهم هذا في لفت انتباه المزيد من القراء في يومنا لتراثه. ربما يكون قد كشف لنا المزيد عن حياته في قصائده. وربما يبقى هذا مضافاً إليه شخصيته وموهبته الشعرية, مصدراً للشعور بالإثارة والإلهام والجاذبية في نفوس قرائه.
من شعر المتنبي
يا أعــدل الـنــاس الا فــي مـعامـلـتي === فيك الخصام وانت الخصم والحكم
سـيعـلم الـجـمع مـمـن ضـم مـجـلـسـنا === بأنـني خــيـر مـن تــسـعـى به قـدم
وجـاهــل مــدة فــي جــهــلة ضـحكي === حــتـى أتـتــه يـــد فــــراســة وفـــم
أذا رأيــت نـــيــوب الـلـيــث بـــارزة === فـــلا تــضـنــن أن الـلـيــــث يبـتسم
الـخـيـل واللـيل والــبـيـداء تـعـرفـــني === والسيف والرمح والقرطاس والقلم
صحبت في الفلوات الـوحش مـنفردا === حـتـى تـعـجـب مني القـور والاكم
يا مـن يــعـز عـاديـنـا ان نـفــارقـهـم === وجـداننا كـل شـيء بـعـدكــم عــدم
ما ابعد الغيب والنقصان مـن شرفي === انا الـثـريا وذان الـشــيـب والــهـرم
يتبع ....>>>
سِيرَةُ الْمُتَنَبِّي
في فجر حياتي الأدبية شغفت بأبي محسَّد، وكان هذا الشغف يكبر معي.. لذا كانت هذه الدراسة استقطارا لذلك الشغف المتنامي.
كفى العربية فخرا شامخا وعزا ساميا أن تنجب هذه الشخصية الفريدة في فكرنا العربي. ولا أحسب شاعرا عربيا كان يمكن أن يكون في هذا العصر أبعد صرخة وأكثر حماسة وأورى زندا من هذا الشاعر. وقد لا أعدو الصواب إذا قلت أن المتنبي أغزر الشعراء فضلا وأوسعهم شهرة وأعلاهم منزلة، فقد رفع شأن الشعر العربي وأحله مرتبة لم تكن له من قبل، وحمل الراية عاليا، وفتح للشعراء طرائق الخلد، وسن لهم سنن المجد. وبذلك تبوأ مكانة رفيعة ومنزلة سامية، مما دفعنا إلى الإعجاب بعبقريته والافتتان بشعره.
ولد الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي في محلة كندة بالكوفة . وقد أجمع الرواة أن تاريخ مولده هو سنة 303 هـ. ذكره ابن خلكان في تاريخه فقال: أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الكوفي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور، وقيل هو أحمد بن الحسين بن مرة بن عبد الجبار والله أعلم . وقال عنه ابن رشيق في كتابه العمدة: إنه مالئ الدنيا وشاغل الناس ذلك هو أحمد بن الحسين الملقب بأبي الطيب المتنبي) .
ومهما يكن فهو عربي الأصل، نشأ في أسرة فقيرة، ويعرف أبوه بعبدان السقاء كان عمله سقاية الماء في محلة كندة، وقد أرسله حين درج إلى مدارس العلويين في الكوفة ليتعلم فيها القراءة والكتابة مع فريق من أولاد أشراف العلويين. وأخذ يختلف على دكاكين الوراقين لمطالعة بعض الكتب والكراريس، وكانت هذه الحوانيت منتدى للأدب، يقصدها العلماء والأدباء والباحثون، فلا بد أنه كان يلقى فيها كثيرا منهم ويتصل بهم. وطبيعي أن تلك الحوانيت هي التي مهدت للمتنبي ثقافته الأولى، ساعده على ذلك ذكاؤه الحاد، ويروى عنه أنه كان قوي الذاكرة، سريع الحفظ. وأنه ذهب إلى البادية وأقام فيها سنتين لتقويم لسانه وتعلم اللغة. ويبدو أنه سافر لهذه الغاية عندما أغار القرامطة على الكوفة سنة 312هـ، وغادرها ثانية سنة 319هـ مع كثير من أهلها لعودة القرامطة إليها بعد انتصارهم على جيوش الخلافة. ويحدثنا الرواة أنه خرج إلى بادية بني كلب. فأقام بينهم مدة ينشدهم من شعره ويأخذ عنهم اللغة، فعظم شأنه بينهم، حتى وشى بعضهم إلى لؤلؤ أمير حمص من قبل الإخشيدية بأن أبا الطيب ادعى النبوة في بني كلب وتبعه منهم خلق كثير، ويخشى على ملك الشام منه، فخرج لؤلؤ إلى بني كلب وحاربهم وقبض على المتنبي وسجنه طويلا ثم استتابه وأطلقه . ونحن لا ندري على وجه التحقيق لم ذهب المتنبي إلى البادية، هل ذهب إلى هناك ليتقن اللغة، أم أن أباه اضطر إلى الهرب من الكوفة واللجوء إلى الصحراء نتيجة للحوادث السياسية والاضطرابات التي كانت تتعرض الكوفة آنذاك!! فنحن نعلم أن الكوفة كانت عرضة لهجمات القرامطة الذين أقاموا لهم حكومة في البحرين، وكان النزاع بين رئيسهم أبي طاهر وبين الخلافة العباسية شديدا، فقد هاجم أبو طاهر البصرة سنة 311هـ، وقطع طريق الحج وسلب الحجاج العائدين من مكة سنة 312هـ.
وفي السنة نفسها قطع طريق الحجاج العراقيين الذاهبين إلى مكة، واغتنم فرصة الذعر الذي استولى على العراقيين، فدخل الكوفة ونهبها وضربها ثم عاد إلى البحرين. فلعل هجرة والد أبي الطيب إلى البادية كان نتيجة لهذا الذعر الذي لحق الكوفيين. ومهما يكن من سبب هذه الهجرة إلى البادية، فإننا نعلم أن والده استقر به في بادية السماوة عند بني الصابي، وهم فرع من جشم بن همدان أخواله، ومكث سنتين في بادية السماوة، ويبدو أن القرمطية اجتذبت في بدء ظهورها أنصارا لها من أوساط البدو المتحمسين. ولعل تلك الدعوة تناولت القبائل كافة ، مما حمل الدكتور ر. بلاشير على الاعتقاد بأنه لقي بعض القرامطة فتأثر بهم، فإن لم يتأثر بالدعوة القرمطية فليس بمستبعد أن يكون أصابه الاضطراب من جراء المأساة التي قلبت أوضاع الخلافة ويتابعه في هذا الرأي الدكتور طه حسين إذ قال: إن المتنبي قد أصبح قرمطيا من أثر بقائه في البادية، إذ أن القرامطة منذ ظهروا كانوا يجدون في بادية الشام حماسة للدعوة، فهو تأثر بهم أو أنه أصبح داعية من دعاتهم، وأنه طمع في أن يستهوي (بدر بن عمار أمير طبريا) إلى قرمطيته القديمة
عاد المتنبي إلى الكوفة ، ورجح بعض الباحثين أن ذلك كان سنة 315هـ، واستقر في الكوفة ، ولا نعلم على وجه التحقيق كيف قضى المتنبي حياته في الكوفة بعد عودته إليها، وكل الذي نعلمه أنه اتصل بشخص يعرف أبو الفضل الكوفي، وأبو الفضل هذا رجل قد ثقف الفلسفة. يقول صاحب الخزانة: إن أبا الطيب وقع في صغره إلى واحد يكنى أبا الفضل بالكوفة من المتفلسفة فهوسه وأضله كما ضل . ولا ندري إذا كان أبو الطيب قد درس عليه الفلسفة حقا! وكل الذي نعلمه أن صاحب الوساطة يذكر لنا شعره الذي تأثر فيه بالفلسفة اليونانية، فهل كان ذلك لأنه درس الفلسفة، أو كان من أثر هذه الآراء العامة التي كانت شائعة بين المثقفين في ذلك العصر! ونحن أميل إلى الاعتقاد الثاني، فدراسة الفلسفة لا بد أن تكون قد تركت لها آثارا على شعره. وقد مدح أبو الطيب أبا الفضل بقصيدة غريبة فيها أبيات تلفت النظر أنها في الحقيقة تحوي آراء هي التي حملت بعض الباحثين على القول باعتناق المتنبي لمذهب القرامطة. ولكن ناشر ديوان المتنبي يقول عنها إن المتنبي إنما قالها ليمتحن عقب أبي الفضل، وكلا التفسيرين يجانبان الواقع، فنحن نعتقد أن المتنبي إنما ذكر هذه الصفات وهذه الآراء ليفخم بممدوحه، وأن المتنبي لم ير بأسا في مدح من يعتنق هذه المبادئ فيقول مثلا:
يا أيها الملك المصفى جوهرًا
من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
نور تظافر فيك لاهوتيّه
فتكاد تعلم علم ما لم يعلما
ويهم فيك إذا نطقت فصاحة
من كل عضو منك أن يتكلما
أنا مبصر وأظن أني نائم
من كان يحلم بالإله فأحلما
كبر العيان عليَّ حتى أنه
صار اليقين من العيان توهما
ولكن هذا الكلام، وإن كان صريحا في ذكر الحلول، فلا يدل على أن المتنبي كان قرمطيا، وربما كانت هذه عقيدة ممدوحه أبي الفضل فذكرها تقربا إليه، وهو على كل حال، يدل على عدم اهتمام المتنبي بالتمسك بروح الدين. وبعد رجوعه من البادية إلي الكوفة ، لم يطل مكثه بها، فتركها إلى بغداد ، ولم يبق في بغداد طويلا، فخرج عنها إلى الشام. يقول طه حسين: إن المتنبي إنما ترك الكوفة بسبب عقيدته القرمطية خشية على نفسه من يؤاخذ، وأنه خرج إلى الشام بسبب هذه العقيدة ليتصل بالدعاة هناك ويعمل على نشر الفكرة .
دانية
حياة المتنبي
ولد أبو الطيب المتنبي عام 915 للميلاد بمدينة الكوفة في العراق. ويزعم البعض أن والده كان بائع ماء ينتسب لأصول رفيعة الشأن من عرب الجزيرة العربية. وفي سنوات فتوته, نال المتنبي قدراً طيباً من التعليم في مدينة دمشق بالشام، وهو التعليم الذي تمكن من تحقيقه جزئياً بفضل موهبته الشعرية. كما تعلم في صباه عادات ولهجة قبيلة بني كلب العربية البدوية لأنه نشأ في كنفها.
في شبابه لقب بالمتنبي دون أن يكون معروفاً حتى الآن بشكل قاطع السبب الحقيقي وراء هذا اللقب. يقول بعض الدارسين إنه لقب به لأنه شبه نفسه بالنبي صالح في بعض أبياته. فيما يقول آخرون إن نشاطاته السياسية هي التي أكسبت الشاعر الشاب هذا اللقب الغريب. فقد كان يتزعم حركة ثورية وادعى النبوة وقاد ثورة في مسقط رأسه الكوفة عام 932. وقد قمعت هذه الحركة ووضع هو في السجن. وفي هذه المرحلة من حياته بدأ بكتابة أولى قصائده.
لم تنته حياة المتنبي السياسية بفشل حركته. فطوال حياته كان يطمح لاكتساب النفوذ السياسي رغم أن طموحاته لم يكتب لها التحقيق أبداً. فقد رحل من العراق إلى الشام ومصر وفارس بحثاً عن حاكم كبير الشأن يمكن أن يجعله عاملاً له على أحد الأقاليم. غير أن مهارات المتنبي في إدارة أمور الحكم لم تجد من يعترف بها أبداً رغم أن موهبته الشعرية كانت تجعل المجد يسبقه أينما ذهب.
وقد قادته طموحاته السياسية بادئ الأمر إلى مدينة حلب في الشمال السوري حيث انضم لبلاط أميرها سيف الدولة الحمداني. ومنذ وصوله إليها عام 948, حظي المتنبي بحماية سيف الدولة طوال تسع سنين تقريباً قبل أن تتسبب كبرياؤه وطموحاته السياسية في خسارته لود راعيه وتجعل الرحيل عن حلب الخيار الوحيد المتاح أمامه. وفي عام 957 اضطر للسفر إلى مصر التي كان يحكمها الإخشيديون. وهناك كسب الشاعر حماية حاكمها أبو المسك كافور الإخشيدي, غير أن هذا الود لم يدم طويلاً. ووجد نفسه مضطراً عام 960 للهرب من مصر بعد أن كتب عدة قصائد مقذعة هجا فيها كافور.
هذه الحياة المضطربة أخذت المتنبي بعد مصر إلى شيراز في إيران حيث عمل في بلاط حاكمها عضدالدولة شاعراً حتى عام 965. وفي ذلك العام لقي المتنبي مصرعه حين هاجمته قريباً من بغداد عصابة من قطاع الطرق - سبق له أن هجا قائدها - في طريق عودته إلى العراق
كيف نفهم المتنبي
جموح الخيال والاستعارات الحالمة والمبالغات في الصور مما نجده في شعر المتنبي جعلت الكثيرين يصفونه بأنه المثال الأبرز لشعر المديح والفخر. ولنفهم أهمية المتنبي في الشعر العربي, علينا أن ننظر عن كثب لأنواع الشعر السائدة في عصره.
تنقسم الأشكال الشعرية السائدة حينها وفق القواعد التقليدية إلى شعر الغزل الذي يضم قصائد الحب والقطعة أو المقطوعة وهي نوع أدبي أصغر وأقل جدية يتحدث عن الجانب الهزلي من الحياة وهناك القصيدة وهي الأسلوب الذي اختاره المتنبي بأسلوبه التأكيدي الأكثر ذاتية، ولكن ببعض التعديل.
ولدت القصيدة الشعرية مع فجر المجتمع العربي قبل الإسلام. وتطورت لتصبح الشكل الأول للأدب العربي والذي كان أساساً شعراً يتحدث عن الشجاعة والإقدام تفخر به القبائل في بدايات العصور العربية. القصيدة في مضمونها تصف مراحل من حياة كاتبها وتجاربه أو حياة وتجارب قومه. وكان هذا الوصف يصاغ بأسلوب مفعم بالقوة والرصانة. بنية شعر القصيدة تتضمن ما بين عشرين وأكثر من مئة بيت. كما أن أسلوب القصيدة القائم على الالتزام بالبحر والقافية نفسيهما في كل الأبيات لا يزال سائداً حتى اليوم.
يبدأ الشاعر القصيدة بمقدمة هي بالضرورة أبيات غزل تعرف باسم النسيب. بعدها يأتي وصف الشاعر لتجربته التي يريد التحدث عنها. ثم ينتقل إلى الخاتمة التي تتضمن جزءاً يمدح فيه معطيه ويهجو أعداءه. وفي أحوال نادرة, يحس الشاعر بالحرية لينهي قصيدته بأبيات يفخر بها بنفسه وقد اعتاد المتنبي على فعل ذلك مراراً. وكانت القصيدة شديدة الجاذبية للعرب، وأصبحت تعتبر الشكل الشائع لشعر المديح, وهو عموماً نص شعري يمتدح فيه الشاعر زعيماً معيناً يرفع فيه من شأنه وخصاله.
وإلى جانب ذلك كانت القصيدة تكتب أيضاً للتعبير عن المواضيع الفكرية. إذ في سياق تطورها أصبحت المقدمة أحياناً تتحدث عن الطبيعة أو الحكمة. وفي أحيان نادرة كانت المقدمة تستخدم ليثبت فيها الشاعر فصاحته وتمكنه من اللغة في تعبيره عن نفسه.
مضى المتنبي بالقصيدة خطوة أخرى وبز كل شعائرها بفضل ما وصفه الدارسون بأنه "جموح خياله وجرأته". وفي نتاجه الشعري جرب المتنبي ومزج بين التقاليد الأدبية في الشام ومصر والعراق والمعايير الأدبية العربية التقليدية الصارمة. وقصائده التي كتبها - مدائح لرعاته بأبيات مقتضبة وجذلة لا تزال ترددها الألسن حتى اليوم- كانت دائماً تلهب خيال العرب وخصوصاً زعمائهم. إذ دائماً ما تمتع المتنبي بقدر كبير من المعجبين بقصائده المفعمة بعباراته القوية وجرسها الرفيع. ومرة أخرى, فإن القارئ لأشعاره المترجمة من غير المحتمل أن يشعر بقدر كبير من المتعة الفنية مثلما يفعل قارئه العربي.
كان المتنبي الذي ملأ الفخر بالنفس رأسه يتغنى في كثير من الأحيان بمآئره مثلما نجد في بيته الشهير:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
إن فهماً أعمق للقامة الشعرية العالية للمتنبي تتطلب معرفة المهارات التي يتوجب على الشاعر العربي أن يمتلكها. أولاً يجب أن تكون للشاعر ثقافة عالية وبالتالي أن يكون حسن التعليم. كما يتوجب عليه أن يتجاوز مجرد المعرفة العامة بالأدب التقليدي العربي والفارسي. أضف لذلك أن عليه تحقيق قدر طيب من المعرفة بمختلف الميادين العلمية وأهمها إطلاعه على الأساطير والقصص والمعتقدات العامة والتقاليد الشعبية. كما يتطلب الأمر منه المقدرة على بناء مزيج من هذه العناصر وغيرها وأن يشير إليها في قصائده. هذا المزيج كان فناً يمسك المتنبي بناصيته وأعطى به صوراً شعرية خيالية تعتمد في أغلب الأحيان على هوايات الحكام مثل الشطرنج والصيد والفروسية وغيرها.
وشأن غيره من الشعراء في عصره, تلاعب المتنبي بالتوريات للتعبير عن رأيه بأسلوب ممتع. بل إنه مضى بهذا الفن شوطاً آخر حين كتب قصائد يمكن أن يكون لها معنى آخر حين تقرأ بشكل عكسي كلمة بكلمة. وكان المتنبي أيضاً قادراً على استخدام التاريخ الجُّملي, وهي أرقام تدل على تاريخ حدث معين تنتج عن احتساب القيم العددية لجملة أو لبيت شعري حين فك رموزه ويريد منها الشاعر أن يذكر تاريخ حدث معين أو تجربة يتحدث عنها في قصيدته. ويتضح هذا في هذه الأبيات من إحدى قصائد المتنبي:
المجد عوفي إذا عوفيت والكرم وزال عنــك إلى أعدائــك الألــم
وراجع الشمس نور كان فارقها كأنمــا فــقده في جسمهــا سقــم
تفرَّد العرب في الدنيــا بمحتده وشارك العرب في إحسانه العجم
كان فخر المتنبي بنفسه يصل في كثير من الأحيان حدود الغرور. وكان هذا الفخر هو الأساس الذي قام عليه جزء كبير من أشعاره. وبشكل ما كان المتنبي شخصية مثيرة للجدل في عصره. فقد حقق شعره نجاحاً كبيراً بغنى كناياته وقصائده البارعة سواء في المديح الماكر أو الهجاء المر. وكانت مواضيع قصائده تثير في الذهن دوماً الخصال التي يجلها العرب ولا تفقد قيمتها مع الزمن مثل الصدق في الوعد والاعتزاز بالنفس والصدق في المعشر والشجاعة والفروسية.
النتاج الشعري للمتنبي اجتذب في حياته ولا يزال يجتذب حتى الآن قدراً كبيراً من الاهتمام. وشأن الكثير من الشخصيات الجدلية في التاريخ, فإن الاهتمام الذي حظيت به قصائده أعطته الشعبية وفتحت أمامه أبواب قصور الحكام في مراكز الإشعاع الثقافي العربي في القرن العاشر الميلادي. وحتى اليوم لا يزال المتنبي صعباً على الفهم نوعاً ما. فهناك هالة تشوبها بعض الضبابية تلف أعماله وشخصيته، كما ولا يعرف الكثير عن حياته. وربما يساهم هذا في لفت انتباه المزيد من القراء في يومنا لتراثه. ربما يكون قد كشف لنا المزيد عن حياته في قصائده. وربما يبقى هذا مضافاً إليه شخصيته وموهبته الشعرية, مصدراً للشعور بالإثارة والإلهام والجاذبية في نفوس قرائه.
من شعر المتنبي
يا أعــدل الـنــاس الا فــي مـعامـلـتي === فيك الخصام وانت الخصم والحكم
سـيعـلم الـجـمع مـمـن ضـم مـجـلـسـنا === بأنـني خــيـر مـن تــسـعـى به قـدم
وجـاهــل مــدة فــي جــهــلة ضـحكي === حــتـى أتـتــه يـــد فــــراســة وفـــم
أذا رأيــت نـــيــوب الـلـيــث بـــارزة === فـــلا تــضـنــن أن الـلـيــــث يبـتسم
الـخـيـل واللـيل والــبـيـداء تـعـرفـــني === والسيف والرمح والقرطاس والقلم
صحبت في الفلوات الـوحش مـنفردا === حـتـى تـعـجـب مني القـور والاكم
يا مـن يــعـز عـاديـنـا ان نـفــارقـهـم === وجـداننا كـل شـيء بـعـدكــم عــدم
ما ابعد الغيب والنقصان مـن شرفي === انا الـثـريا وذان الـشــيـب والــهـرم
شادي- عضو ناري
-
مدينتك : طرطوس
عدد المساهمات : 6838
ورقة رابحة
ضع الأسم الذي تريده: ربحت اصدقاء مميزين
رد: أبو الطيب المتنبي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
no comment- عضو ناري
-
مدينتك : عاصمه الدنيا
عدد المساهمات : 4782
ورقة رابحة
ضع الأسم الذي تريده: احلى اصدقاء
رد: أبو الطيب المتنبي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
zezo bebo- عضو سوبر ستار
-
مدينتك : الاحزان
عدد المساهمات : 3998
رد: أبو الطيب المتنبي
نوكمو وزيزو منورين
شادي- عضو ناري
-
مدينتك : طرطوس
عدد المساهمات : 6838
ورقة رابحة
ضع الأسم الذي تريده: ربحت اصدقاء مميزين
دوير المليحة جنات ع مد النظر :: ألغاز و مســـــــــــــــــــابقات :: التعــــــــــــــــــــــــــليم المفتـــــــــــــــــــــــــوح
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد سبتمبر 21, 2014 10:31 pm من طرف ميمي
» دفتر حضور يومي
الأحد سبتمبر 21, 2014 10:18 pm من طرف ميمي
» العملية الجنسية
الإثنين أغسطس 12, 2013 1:49 am من طرف emadTarraf
» فوائد البوسة
الإثنين أغسطس 12, 2013 1:37 am من طرف emadTarraf
» الشهيد البطل رائد عبدو ديب
الإثنين يونيو 03, 2013 4:13 am من طرف hadideeb
» فن تعري الزوجات أمام أزواجهن ** منقول للفائدة
الأحد مارس 03, 2013 4:05 pm من طرف kaouthar
» الرجل يحب أربع أنواع من النساء!!!
السبت مارس 02, 2013 3:13 pm من طرف kaouthar
» صوت العقل
الثلاثاء يناير 01, 2013 12:09 am من طرف hadideeb
» للطفل مريض السكر
الخميس أكتوبر 18, 2012 5:53 am من طرف عمرالفولي
» أمراض الأطفال حديثي الولادة
الخميس أكتوبر 18, 2012 5:50 am من طرف عمرالفولي
» رعاية الأطفال المعاقين عقليا .....
الخميس أكتوبر 18, 2012 5:47 am من طرف عمرالفولي
» من النيل الى الفرات ... شرح بسيط جداً جداً
السبت أكتوبر 13, 2012 12:46 am من طرف hadideeb
» بعض من مواصفات الإرهابي
السبت أكتوبر 13, 2012 12:44 am من طرف hadideeb
» مندس يحكي وعاقل يسمع
السبت أكتوبر 13, 2012 12:44 am من طرف hadideeb
» مرحبا
السبت أكتوبر 13, 2012 12:14 am من طرف hadideeb
» كاتبة فرنسية تطالب بمحاكمة الصهيوني برنار هنري ليفي أمام محكمة لاهاي
الإثنين سبتمبر 17, 2012 7:22 am من طرف الكوتش2
» الاخضر الابراهيمي يوجه صفعة لرئيس وزراء قطر
الأحد سبتمبر 16, 2012 9:32 am من طرف الكوتش2
» عاجل | فجرت بطلة الفيلم المسيء للرسول سيندي لي غارسيا مفاجأة من العيار الثقيل
الأحد سبتمبر 16, 2012 9:25 am من طرف الكوتش2
» فشة قهر...الا محمد
الأحد سبتمبر 16, 2012 9:22 am من طرف الكوتش2
» حرب الاسكات … ماذا يحضرون الى سوريا ؟
الخميس سبتمبر 06, 2012 3:59 am من طرف عاشق سورية الاسد
» تدهور صحة أمير مشيخة قطر.. وامريكا تشرف على نقل السلطة الى ولي العهد
الأربعاء أغسطس 29, 2012 5:04 am من طرف عاشق سورية الاسد
» حماس.. ياوردة سوداء في ذاكرتي.. ويا وردة سوداء في أفواه البنادق إني أريد أن أزرع ذاكرتي بشقيق النعمان الأحمر.. وأن أهدي للبنادق.. مقابض السنديان وأن أغسل حزنها بالنار فوداعاً.. ياحماس
الأربعاء أغسطس 29, 2012 5:00 am من طرف عاشق سورية الاسد
» كشفت وكالة أوتكا الروسية وثيقة سرية سربها أحد الجواسيس الروس في البيت الأبيض النقاب عن أكبر عملية اختراق و تسلل معلوماتي في القرن الحادي و العشرين...
الأربعاء أغسطس 29, 2012 4:56 am من طرف عاشق سورية الاسد
» رسالة موجهة إلى تنظيم القاعدة وجماعة إخوان الشياطين
الأربعاء أغسطس 29, 2012 3:54 am من طرف عاشق سورية الاسد
» وليد المعلم يتهم واشنطن بتشجيع مقاتلي المعارضة السورية
الأربعاء أغسطس 29, 2012 3:40 am من طرف عاشق سورية الاسد
» المطران حنا: سنبقى مع سورية مهما كثر المتآمرون والمتخاذلون
الأربعاء أغسطس 29, 2012 3:27 am من طرف عاشق سورية الاسد
» لا تقلقي اسرائيل ..؟؟
الجمعة أغسطس 24, 2012 8:31 am من طرف عاشق سورية الاسد
» دمشق تُعطي أوامر لسلاح صواريخها المُذخّر بالرمي على أهدافه الإقليمية
الجمعة أغسطس 24, 2012 5:57 am من طرف عاشق سورية الاسد
» المقالة الشكسبيرية : يوليوس قيصر الدمشقي لايعبأ بمزامير سفر المزامير
الخميس أغسطس 23, 2012 9:41 pm من طرف عاشق سورية الاسد
» هل يعيد الإعتذار الشرف للغانيات ......
الخميس أغسطس 23, 2012 5:06 am من طرف عاشق سورية الاسد
» .. الراحلون من التاريخ .. "بقلم : جو غانم"
الثلاثاء أغسطس 07, 2012 10:57 pm من طرف عاشق سورية الاسد
» الأخوان المسلمون يتهمون العميد مصطفى الشيخ بتسريب أخبارهم لـ"الحقيقة" ويتحضرون لاغتياله!؟
الأربعاء أغسطس 01, 2012 7:52 am من طرف عاشق سورية الاسد
» الفيغارو : تفاجئنا بمعنويات الجيش العربي السوري
الأربعاء أغسطس 01, 2012 7:40 am من طرف عاشق سورية الاسد
» الجيش العربي السوري ادهش العالم واسرائيل بعد تفجير الامن القومي
الأربعاء أغسطس 01, 2012 7:12 am من طرف عاشق سورية الاسد
» "دبكا": أنباء عن اغتيال رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان
الأربعاء أغسطس 01, 2012 6:55 am من طرف عاشق سورية الاسد