مواضيع مماثلة
المواضيع الأخيرة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 8 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 8 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 289 بتاريخ الجمعة نوفمبر 15, 2024 1:35 am
بحـث
دخول
أقســــــــــــــام المنتدى
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
قم بحفض و مشاطرة الرابط دوير المليحة جنات ع مد النظر على موقع حفض الصفحات
قم بحفض و مشاطرة الرابط دوير المليحة جنات ع مد النظر على موقع حفض الصفحات
الموضوع الشعبي والاكثر تصويتا ومشاهدة
أخوتي الكرام من خلال ردودكم على المواضيع والتصويت عليهايصل الموضوع وكاتبه على درجات تمكنه من ان يكون الموضوع الاكثر شعبية والكاتب الأهم في المنتدى لذلك نرجو الرد على المواضيع التي تقرأوها والتصويت عليها بالضغط على زر (+) أو( -) الموجودعلى يسار الموضوع مرحباً بكم : الإدارة
نســـــــــ الامل ـــــــــــــات
2 مشترك
دوير المليحة جنات ع مد النظر :: دوير المليحة العــــــــــــــــــام :: العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام
صفحة 1 من اصل 1
نســـــــــ الامل ـــــــــــــات
[ حتى إذا استيأس الرسلُ.. وظنوا أنهم
قد كُذِبوا.. جاءهم نصرُنا... ]
كثيرًا ما نشعر باليأس يُحاصرنا.. ويورثنا وهنًا يكاد يقضي على ما بقي من
همةٍ وحماس.. فيمكث أحدُنا يُناجي نفسَه :
* هل من جدوى لما نقوم به..؟! ..
* أتُرى هذه الجهود الذي تُبذل تأتي بنفع؟! ..
* هل ستثمر غراسنا وقد اجتاحنا الطوفان؟!..
أسئلة لا تكاد تنقضي.. ولا يزيدها الواقع المر إلا إلحاحًا وإصرارًا.. ولربما
كان ورودها المتكرر سببًا من أسباب القعود والخمول والدعة.. أو - يا للضعف -
سببًا من أسباب الانتكاس والارتكاس..!
يأتي الشيطان ليقول لأحدنا [ ... لا يضركم من ضل إذا اهتديتم..] كلمة حقٍ
أُريد بها باطل.. لكن النفس قد تُخدع بها إذا قيلت والواقع يجعل الحليم
حيرانًا..!
وتتكرر الأسئلة..
وتُدركنا رحمة الله.. فيأتي الجواب بظلال اليقين..
يأتي في حالة خشوعٍ وتأمل في آية من كتاب الله، أو حديثٍ من سنة رسول الله..
أو يأتي على شكل موقفٍ عابر.. أو قصةٍ واقعية.. أو حدثٍ مُشاهد..
وييسر الله – بمنته وكرمه – للقلوب الواجفة ما يُسكنها ويمدها بماء الأمل
الذي لا ينضب ولا يغور..!
فتثوب النفس القلقة إلى مثابة اليقين والاطمئنان بموعود الله .. وتستحضر
الحقيقة التي قد تتوارى خلف ركام اليأس : أن الدين منصورٌ لا محالة.. وأن
علينا بذل الجهد وغرس البذور؛ أما قطف الثمرة اليانعة فهي بيد علام الغيوب..!
هكذا هو الإسلام بروعته وعظمته.. يتأبى على السُبات.. ويستعصي على البيات..
ويكمنُ في الفطر السوية؛ حتى إذا ما قيض الله له مَن يُزيح عنه الغبار؛ انتفض
حيًا يتنفس..!
هو باقٍ إلى قيام الساعة.. لا خوف عليه من الفناء.. وإنما الخوف علينا من
الركون إلى الدعة أو الإخلاد إلى الأرض..
وإنما الشرف - كل الشرف - لمن يستمسك بالدين ويحمل مشاعل الهداية..!
(( نسمات الأمل )) ..
سلسلةٌ من بعض المواقف والقصص الواقعية.. التي مررتُ بها في هذه الحياة.. أو
وقفتُ عليها من ثقات.. وأنا أسوقها للإخوة والأخوات تثبيتًا لهم وتذكيرًا..
(( نسمات الأمل )) ..
هي
للمستيقن.. حتى يزداد يقينًا..
ولليائس.. حتى يعلم أن اليأس لا يصنع شيئًا..
وللجميع.. حتى يعلموا أن مع العُسر يُسرًا..
" وقد يفلق الصخرَ .. قطرُ الدعاء..! "
ما
عادت تُطيق العيش معه..!
سنة كاملة مرت عليها كأنها – لفرط نكدها – عُمرٌ من الشقاء والتعاسة.. لقد
يأستْ من كل شئ.. ولم تعد تريد منه شيئًا أكثر من أن يؤدي الصلاة في المسجد
القريب.. أو في المنزل حتى..!
آاااه.. المنزل..؟! .. بل هو القبر في ظلمته ووحشته.. هو جحيمٌ أحطابه البعد
عن الله.. وتركُ الصلاة.. وقسوةُ القلب..
كانت تتمناهُ عش حب وهداية.. تُغرد فيه أطيار السعادة والهناء والنور.. لكن
أحلامها تبخرت بأشعة الواقع..!
هي تُحبه.. لكن حبها لله أقوى وأبقى وأولى.. فلم يعد في قلبها له مكان؛ إلا
كما تبقى الأطلال بعد العمار..!
نسمع بأمورٍ كثيرة ونحسبُ أننا نعلمها حقًا.. لكننا حين نذوقها على حقيقتها
نُدرك أن الواقع يختلف كثيرًا عما نظنه ونتخيله.. كذلك كانتْ هي واليأس.. لما
جربته فعرفتْ مرارتَه..!
ما بقي لها إلا الدعاء واللجوء إلى كنف الرحمن الرحيم.. عّله أن يلطف بها
فيجعل الحياة زيادة لها في الخير.. أو يُعجل بالموت الذي يُريحها من الشر..
كل الشر..!
* * * * * * * *
قامتْ إلى صومعتها ( كما يحلو لزوجها أن يُسميها ) .. وانطرحت بين يدي مولاها
وخالقها الرحمن الرحيم داعيةً متضرعة.. أن يحبب الله إليه الإيمان ويُزينه في
قلبه.. ويُكره إليه الكفر والفسوق والعصيان.. ويجعلَه من الراشدين..
** " أين أنتِ أيتها الراهبة.. ؟! .."
إنه هو ..!! عجلتْ ( س ) بأداء صلاتها.. ثم مضت إليه.. وهي تجر قدميها كأنهما
مثقلتان بالأغلال..!
** " ألا تملين من كثرة الصلاة.. إن ربي غنيٌ عنكِ وعن صلاتك.. هيّا.. أريدُ
بعض الماء فقد جف حلقي من (( الشيشة )) .. هيّا..! "
ذهبت لتُحضر كوب الماءَ.. وأذان الفجر ينساب في الأفق ليعطر الكون بروعته
وجلاله..
ياااا الله..!
كم هو جميلٌ ذاك الأذان.. حين ينزل على القلب القانط كما تنزل قطرات المطر
على الأرض اليباب فتهتز وتُزهر..
ولكنْ..!
لقد فقدتْ صوت مؤذن المسجد القريب..!!
" الحمد لله " .. قالتها ( س ) وابتسامةٌ متفائلةٌ تتراقص على شفتيها..!
* * * * * * * * *
** " هل نضج الخروف..؟! .. إنه كوب ماء فقط " .. هكذا صرخ ( ت ) بزوجته..
فعادت إليه وهي تحمل الكأس بيدها.. وعقلُها مشغولٌ بالفكرة التي خطرتْ لها..
مدت إليه بكوب الماء والابتسامة لم تفارق شفتيها.. فرمقها ( ت ) بنظرة متهكمة
وقال :
** ماهذا التبسم؟! .. مشوارٌ جديد.. أم نصيحةٌ معتادة..؟!
** ليس هذا ولا ذاك.. إنما هو طلبٌ يسيرٌ .. لو فعلتَه فلن أطلب منك شيئًا
آخر مدة أسبوع..!!
** ( ؟!!! )
** صدقني ..!
** لا لا لا لا .. لا أكاد أصدق.. ( س ) الملحاحة لا تطلب مني شيئًا مدة
أسبوع..؟! .. هاتي إذن..
قالت وهي تزدرد ريقها بتردد :
** ال .. ال .. المؤذن في مسجدنا لم يؤذن لصلاة الفجر.. ما رأ.. ما رأيك أن
تؤذن بدلاً عنه..!
** (؟؟!!!!!!!)
** أرجوك يا ( ت ) .. أرجوك.. أحب أن أسمع صوتك وهي يملأ الكون بنداء
الرحمة.. أرجوك يا حبيبي.. إنها أمنيةٌ طالما حلمت بها.. أرجوك ..!
** اممممممممم .. ولا تطلبين شيئًا آخر مدة أسبوع..؟!
** نعم .. نعم.. بل أسبوعان إن شئت..
** طيب طيب.. ولكني سأخرج بعد الأذان مباشرة.. لأن جماعة المسجد لن يستوعبوا
منظر ( ت ) وهو يقيم لصلاة الفجر.. وهو الذي لم يدخل المسجد منذ جاورهم..!
فقالتْ.. واليأس ينسج خيوطَه حولها من جديد :
** افعل ما بدا لك.. ولكن أسرع قبل أن يسبقك أحد..!
* * * *
وارتفع صوت الحق من شفتي ( ت ) :
( الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ) .. ( أشهد ألا إله إلا
الله .. أشهد ألا إله إلا الله ) .. ( أشهد أن محمدًا رسول الله .. أشهد أن
محم............) وبدأ صوت ( ت ) يتقطع..!
لم يقوَ ( ت ) على إكمال الأذان إلا بصعوبة.. فالمشاعر التي انتابته كانت
أقوى من احتماله..
" يا إلهي.. أين كانت هذه السكينة والطمأنينة ؟! .. أي ضنك كان يُحيط بي ؟!..
أي شقوةٍ كنتُ أتردى فيها..؟! .. أي حرمان..؟! رحماك يا ربي.. رحماك..! "
وظلت تلك الخواطر تجلجل في عقله فلا يُظهرها إلا الدموع..!
* * * *
في مسجد ( .......) في شمال الرياض.. يصدح رجلٌ بالأذان خمس مراتٍ في اليوم
والليلة.. رجلٌ يحفظ القرآن كاملاً عن ظهر قلب.. وشرع في حفظ الصحيحين..
ويُلازم الدروس في جامع ( .....).. ويُكنى بأبي معاذ..
إنه أخونا ( ت ) ...!!
لو التزمَ جدارُ آل ( م ) لما التزمَ ( ر . م
) !!
في قاعة المحاضرات
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.. كان الجمعُ يرقبُ بإعجابٍ
وقائع مناقشة رسالة الماجستير في أصول الفقه.. الذي تقدم بها المُعيد بكلية
الشريعة ( ر . م ) ..
ومن بين أولئك الحاضرين كانت هناك عينان تُغالبان غشاوةً من الدموع التي
أغرقت حدقتاه.. وحُق لـ ( ع . ع ) ذلك.. فما يُشاهده الآن هو حلقةٌ من مسلسلٍ
بدأت فصوله في عام 1410 تقريبًا.. هناك بين جنبات المركز الصيفي بالمعهد
العلمي بحي الشفا في الرياض.. يومَ دخل شابٌ في بوابة المركز وكأنه يَدخل باب
بيتهم..!!
بدأت مشاكل ( ر . م ) من أول لحظةٍ دخل فيها إلى المركز.. تشاجر مع حراس
الباب.. وحُمل إلى غرفة مدير المركز بدلاً من الذهاب إلى غرفة التسجيل..!
وهناك كان أول لقاءٍ بينهما.. بين الشاب المتفتق فتوةً وعنفوانًا (ر . م )
وبين المربي المتألق حكمةً وبذلاً ( ع . ع ).. وكانت حادثة الشجار فرصةً لا
تفوت على مربٍ كـ ( ع . ع ) .. لأنه لمح في عيني ( ر . م ) بريق التميز
والنبوغ.. ولأن وراء كل مكروهٍ ظلالاً من الخير لا يُبصرها إلا المتفائلون..
!
لم يكن فارق السنوات بينهما كبيرًا.. فانعقدتُ بينهما خيوط المودة على اختلاف
الطباع.. فذاك قطبٌ 0 في ظاهره - سالب.. والآخر قطبٌ موجب.. ومع ذلك ينجذبُ
أحدهما إلى الآخر .. كما ينجذبُ قُطبا المغناطيس..!
وتعاقبت الأيام.. ومشاكل ( ر . م ) في المركز تزداد ظهورًا.. وقناعة المربي
وتفاؤله بمتستقبل واعدٍ له تزداد رسوخًا..!
وفي كل مرةٍ يتناقش فيها المشرفون في مشاكل ( ر . م ) ويفكرون في طرده.، وهم
يرددون ( لو التزم جدارُ بيت أهله.. لما التزم هو..! ) .. في كل مرةٍ يحدث
ذلك؛ . كان ( ع . ع ) يقف في صفه ويُقنع الإخوة بأنها أيامٌ قلائل.. وأن من
حق الشباب أصحابِ المشاكل الصبرَ عليهم ومراعاةَ طيشهم.. مادام ذلك في
الإمكان..!
وانقضتْ أيام المركز الصيفي..
وفي الحفل الختامي أهدى ( ع .ع ) لـ ( ر . م ) دعوةً للمشاركة في رحلة إلى
أبها .. والأصل أنه لا يخرج فيها إلا المتميزون في النشاط والأخلاق.. لا في
الشجار والإزعاج..!
ولم يكد يُصدق ( ر . م ) نفسَه.. وهو يمتطي مع الشباب الحافلة مُتجهين إلى
أبها.. وهناك تفتقت مواهبُه عن إبداعٍ في المقالب.. وفي التهرب من الدروس..
وفي التملص من كل برنامجٍ.. إلا البرنامج الرياضي.. وبرنامج تسلق الجبال..
وانقضت الرحلة أيضًا.. وبقي في الصيف بعض وقت..
لم يكن ( ر . م ) يفكر يومًا من الأيام في أن ينضم إلى حلقة تحفيظ للقرآن
الكريم.. كيف وهو الذي يتهكم بعيال الحارة حين يتركون مباريات الحواري
ليجلسوا بين أربعة جدران ..!
لم بكن يُفكر في ذلك.. حتى جاءه صاحبُ القلب الكبير.. ودعاه إلى التفكير في
التسجيل بإحدى الحلقات القريبة من بيتهم..
** " ... ولكني أستغل وقت العصر في المذاكرة وحل الواجبات .." ( !!! ) ..
هكذا كانت إجابته الأولى..
فابتسم ( ع . ع ) وقال غامزًا :
** وهل هناك مُذاكرة وحل واجبات في الصيف ..؟!
** ........
** ثم إنه لا تعارض بينهما لمن كان حريصًا مثلك..
** ولكن.. ولكن المسجد بعيدٌ عن بيتنا.. وأنا أخاف على نفسي من المشي في
الشارع.. فالشوارع كما تعرف مكان الشباب ( الخربانين ) !! ..
** لا مشكلة .. سأمر بك بسيارتي كل يوم.. هاه.. ما رأيك..؟!
** " تستهبل ؟! .. أنا أسكن في حي ......... وأنا أسكن في حي ........ !!
** لا عليك.. سأمر بك يوم السبت الذي يعقب عودتنا من أبها.. اتفقنا..؟!
** " اتفقنا.." .. قالها وهو يمط شفتيه بامتعاض خفي.. :hh:
* * *
* *
ومن ذاك السبت بدأت
فصول روايةُ صبرٍ وفألٍ تتصاغر أمامه كل عوائق السآمة وكل علائق اليأس
المُقعد..!
روايةٌ كل صفحة فيها ملأى بالتهرب والتملص والمتاعب.. وكم تأخر فيها ( ر . م
) على ( ع . ع ) فما تضجر.. وكم ضرب بمواعيده عرض الحائط فما تشكى.. وكم كذب
عليه وهو يعلم فما عنّف.. وكم حاول إملالَه بكل سبيلٍ فلم يفلح..!
إن قلوب الناس - في الغالب - ملأى بالخير.. لكن الران الذي يكاد يعلوها..
وتسويلَ الشيطان.. والنفسَ الأمارة.. كل أولئك يحتاج إلى انتفاضةٍ تطردها..
كما يطرد أريج الفأل فلول القنوط..
والمتميزون بخاصة.. يحتاجون لفنٍ في التعامل معهم.. لأنهم - في الغالب أيضا -
يجحدون ونفوسهم مستيقنة..!
وهذا ما كان من ( ر . م )..
فالمعروف لا يضيع سدى.. والفطرة الطيبة تثوب إلى نقائها ولو بعد حين.. ولذا؛
تكشفت الأيامُ عن شابٍ متميز في كل شئ.. فخيار الناس في الخير هم الذين كانوا
خيارَهم في غيره.. إذا التزموا.. وإذا وجدوا صدرًا يحتملهم ويصبر عليهم..
ويملأ جوانحه الفألُ والاستشار..!
* * *
* *
قطع ( ع . ع ) شريط
ذكرياته.. على صوت لجنة المُناقشة وهي تُعلن قرارَها بمنح ( ر . م ) درجة
الماجستير.. مع مرتبة الشرف الأولى..
وسكتت أنفاس الحاضرين وهو يرقبون ( ر . م ) يتجه صوب الصف الأول من الكراسي..
ليطبع قبلةً على جبين ( ع . ع ) ..
قُبلة شكرٍ..
وقُبلة وفاء..
قبلةً لخصت على قصرها دروسًا لا تُنسى :
~~ أن الجميل سيُثمر.. ولو بعد حين..!
~~ وأن الفأل لا يأتي إلا بخير..
~~ وأن الوفاء من شيم النُبلاء.. الذين لا تُنسيهم الأيام جميلَ من كان
وراءهم..
.
.
.
فطرةٌ .. فهداية ..!
كان يحبها.. بل يهيم
بها..!
خداها المتوردان..
عيناها الناعستان..
مبسمها الساحر..
بل هي الجمالُ.. لو جُسد الجمال بشرًا..!
كيف.. وقد زادتها البراءةُ حسنًا وجمالاً.. وألقت عليها فطرتُها الصافيةُ
بظلال السماحة والبِشْر.. وأضفى عليها إيمانها العميقُ من النور نورًا..
ما كان ينظر إليها بشهوةٍ وسُعار.. فهي ما تزال طفلة ذات ثمان سنوات.. وإنما
كان مشدوهًا ببراءتها وصدقها.. وشقاوتها أيضًا..
كان مقصرًا مذنبًا مسرفًا على نفسه.. ولربما كان حالُه هذا دافعًا له إلا
الإعجاب بها أكثر وأكثر.. فالنفس قد تميل إلى الذي تجد لديه ما تفقده.. خاصة
إن كانت تعلم في قرارتها أنها على خطأ.. وأن الخير كل الخير هناك.. في الحال
التي عليها مَن يُحب..!
وكذلك كان ( ف . ف ) .. يجحد ظاهرُه.. لكن داخلَه مستيقنٌ بالحق والخير..!
* * *
* *
في صغره كان قائدَ
عيال الحارة في كل شئ.. هو كابتن الفريق.. وهو العمدة.. وهو الآمر الناهي..
وطوته الأيام ليُصبح شابًا كبرت معه صفات طفولته.. فكان متصدرًا لرفقائه..
الذين كانوا معه كالجنود مع ضابطٍ صلد..!
وكان قائدًا لهم في تتبع الشهوات والنزوات.. ولا يسمع بواحدٍ منهم يفكر مجرد
تفكير بالالتزام إلا وقف أمامه بلسانه السليط وشخصيته القوية هازئًا
متهكمًا.. حتى يُعيده إلى الحظيرة.. أو يجعله عبرةً للمعتبرين..!
وأيسَِ أهلُه من صلاحه.. وماعادتوا يرجون منه سوى أن يكف عنهم شرَّه..!
حتى أتى اليوم الموعود..
كان أهلُه يريدون من الذهاب بهم إلى جنوب المملكة مع خالتهم ليصطافوا.. فوافق
بشرطٍ : أن تكون ابنةُ خالته وحبيبةُ قلبه ( غ . ت ) معهم في السيارة..!
* * *
* *
حُزمت الحقائب..
وشُدت الرحال.. واجتمعت العائلتان.. وابتهج ( ف . ف ) بالطفلة الأمورة التي
سترافقه كل الطريق..!
كانت والدته على مقعد الراكب الأمامي.. و ( غ . ت ) بينهما.. وهي على
عادتها.. تُمازح خالتها.. وتلعب هنا وهناك.. قد ملأت المكان بالشقاوة وعبث
الأطفال..!
أخرج ( ف .ف ) من سيارته شريط مطربه المفضل.. فأدخله في المسجل.. وبدأ ت
مزامير الشيطان تجلجل في جنبات السيارة وهي تشق الطريق شقًا..
وفجأة.. سكنتْ ( غ . ت ) في مكانها هادئة وادعة..!
حاول أن يستثيرها فلم يُفلح.. استفزها فما نفع.. توقف في عند محل التموين
فاشترى بعض الحلوى.. فما أجدت الرشوة..!
وساد المكانَ جوٌ من الهدوء.. عدا تلك النغمات العابثة التي ينهق بها المطربُ
المأفون..
قطع الصمت صوتُها وهي تهمهم وتتنهد.. وكأنها تحدث نفسها :
** " ... والله إنها مشكلة ..!! " ..
التفتَ إليها مستعجبًا.. وقال :
** مشكلة..؟! "
لم تُجبه.. بل يبدو أنها لم تسمعه.. فقد سرحت بخيالها بعيدًا.. وهي مطرقةٌ لا
يكاد يُسمع لها نفَس..!
وساد المكانَ الصمتُ مرةً أخرى..
ثم بدأ صوت بكائها يتعالى.. بل كان نشيجًا يهز صدرها الصغير هزًا..!!
قال لها بسرعة :
** " .. ما بكِ يا بنت..؟! "
** ............... " ..!
** " .. تكلمي.. وإلا أنزلتكِ هُنا.. هيا تكلمي..!! "
** " .. لقد.. لقد كنتُ أفكر في أمرٍ مخيف.. فأمي تقول لي إن ربي لا يُحب
الأغاني.. وأنا أخشى أن ينفجر إطار السيارة فتنقلب.. فأموتُ والأغاني تصدح
حولي.. فماذا سأقول لربي حينها ..؟! "
* * *
* *
على طريق الجنوب..
توقفت سيارةٌ بشكل مُفاجئ.. ونزل منها شابٌ يحمل معه كيسًا بلاستيكيًا
ممتلئًا.. أخذ يهوي بما فيه على الأرض.. ويطؤه بقدميه بانفعال.. ثم توقف..
ورفع رأسه إلى السماء.. وعيناه تُسبلان دمعًا سخينًا يغسل به أدران الماضي
البئيس المقيت.. ثم هوى على الأرض ساجدًا..
وفي الخلف وقفتُ خلفه طفلةٌ صغيرةٌ كأنها فلقةُ قمر.. وهي تُناديه وتُصفق
بيديها باستغراب :
" هل تُصلي التراويح في النهار..؟! .. هيا بنا.. فقد تأخرنا..!! "
قد كُذِبوا.. جاءهم نصرُنا... ]
كثيرًا ما نشعر باليأس يُحاصرنا.. ويورثنا وهنًا يكاد يقضي على ما بقي من
همةٍ وحماس.. فيمكث أحدُنا يُناجي نفسَه :
* هل من جدوى لما نقوم به..؟! ..
* أتُرى هذه الجهود الذي تُبذل تأتي بنفع؟! ..
* هل ستثمر غراسنا وقد اجتاحنا الطوفان؟!..
أسئلة لا تكاد تنقضي.. ولا يزيدها الواقع المر إلا إلحاحًا وإصرارًا.. ولربما
كان ورودها المتكرر سببًا من أسباب القعود والخمول والدعة.. أو - يا للضعف -
سببًا من أسباب الانتكاس والارتكاس..!
يأتي الشيطان ليقول لأحدنا [ ... لا يضركم من ضل إذا اهتديتم..] كلمة حقٍ
أُريد بها باطل.. لكن النفس قد تُخدع بها إذا قيلت والواقع يجعل الحليم
حيرانًا..!
وتتكرر الأسئلة..
وتُدركنا رحمة الله.. فيأتي الجواب بظلال اليقين..
يأتي في حالة خشوعٍ وتأمل في آية من كتاب الله، أو حديثٍ من سنة رسول الله..
أو يأتي على شكل موقفٍ عابر.. أو قصةٍ واقعية.. أو حدثٍ مُشاهد..
وييسر الله – بمنته وكرمه – للقلوب الواجفة ما يُسكنها ويمدها بماء الأمل
الذي لا ينضب ولا يغور..!
فتثوب النفس القلقة إلى مثابة اليقين والاطمئنان بموعود الله .. وتستحضر
الحقيقة التي قد تتوارى خلف ركام اليأس : أن الدين منصورٌ لا محالة.. وأن
علينا بذل الجهد وغرس البذور؛ أما قطف الثمرة اليانعة فهي بيد علام الغيوب..!
هكذا هو الإسلام بروعته وعظمته.. يتأبى على السُبات.. ويستعصي على البيات..
ويكمنُ في الفطر السوية؛ حتى إذا ما قيض الله له مَن يُزيح عنه الغبار؛ انتفض
حيًا يتنفس..!
هو باقٍ إلى قيام الساعة.. لا خوف عليه من الفناء.. وإنما الخوف علينا من
الركون إلى الدعة أو الإخلاد إلى الأرض..
وإنما الشرف - كل الشرف - لمن يستمسك بالدين ويحمل مشاعل الهداية..!
(( نسمات الأمل )) ..
سلسلةٌ من بعض المواقف والقصص الواقعية.. التي مررتُ بها في هذه الحياة.. أو
وقفتُ عليها من ثقات.. وأنا أسوقها للإخوة والأخوات تثبيتًا لهم وتذكيرًا..
(( نسمات الأمل )) ..
هي
للمستيقن.. حتى يزداد يقينًا..
ولليائس.. حتى يعلم أن اليأس لا يصنع شيئًا..
وللجميع.. حتى يعلموا أن مع العُسر يُسرًا..
" وقد يفلق الصخرَ .. قطرُ الدعاء..! "
ما
عادت تُطيق العيش معه..!
سنة كاملة مرت عليها كأنها – لفرط نكدها – عُمرٌ من الشقاء والتعاسة.. لقد
يأستْ من كل شئ.. ولم تعد تريد منه شيئًا أكثر من أن يؤدي الصلاة في المسجد
القريب.. أو في المنزل حتى..!
آاااه.. المنزل..؟! .. بل هو القبر في ظلمته ووحشته.. هو جحيمٌ أحطابه البعد
عن الله.. وتركُ الصلاة.. وقسوةُ القلب..
كانت تتمناهُ عش حب وهداية.. تُغرد فيه أطيار السعادة والهناء والنور.. لكن
أحلامها تبخرت بأشعة الواقع..!
هي تُحبه.. لكن حبها لله أقوى وأبقى وأولى.. فلم يعد في قلبها له مكان؛ إلا
كما تبقى الأطلال بعد العمار..!
نسمع بأمورٍ كثيرة ونحسبُ أننا نعلمها حقًا.. لكننا حين نذوقها على حقيقتها
نُدرك أن الواقع يختلف كثيرًا عما نظنه ونتخيله.. كذلك كانتْ هي واليأس.. لما
جربته فعرفتْ مرارتَه..!
ما بقي لها إلا الدعاء واللجوء إلى كنف الرحمن الرحيم.. عّله أن يلطف بها
فيجعل الحياة زيادة لها في الخير.. أو يُعجل بالموت الذي يُريحها من الشر..
كل الشر..!
* * * * * * * *
قامتْ إلى صومعتها ( كما يحلو لزوجها أن يُسميها ) .. وانطرحت بين يدي مولاها
وخالقها الرحمن الرحيم داعيةً متضرعة.. أن يحبب الله إليه الإيمان ويُزينه في
قلبه.. ويُكره إليه الكفر والفسوق والعصيان.. ويجعلَه من الراشدين..
** " أين أنتِ أيتها الراهبة.. ؟! .."
إنه هو ..!! عجلتْ ( س ) بأداء صلاتها.. ثم مضت إليه.. وهي تجر قدميها كأنهما
مثقلتان بالأغلال..!
** " ألا تملين من كثرة الصلاة.. إن ربي غنيٌ عنكِ وعن صلاتك.. هيّا.. أريدُ
بعض الماء فقد جف حلقي من (( الشيشة )) .. هيّا..! "
ذهبت لتُحضر كوب الماءَ.. وأذان الفجر ينساب في الأفق ليعطر الكون بروعته
وجلاله..
ياااا الله..!
كم هو جميلٌ ذاك الأذان.. حين ينزل على القلب القانط كما تنزل قطرات المطر
على الأرض اليباب فتهتز وتُزهر..
ولكنْ..!
لقد فقدتْ صوت مؤذن المسجد القريب..!!
" الحمد لله " .. قالتها ( س ) وابتسامةٌ متفائلةٌ تتراقص على شفتيها..!
* * * * * * * * *
** " هل نضج الخروف..؟! .. إنه كوب ماء فقط " .. هكذا صرخ ( ت ) بزوجته..
فعادت إليه وهي تحمل الكأس بيدها.. وعقلُها مشغولٌ بالفكرة التي خطرتْ لها..
مدت إليه بكوب الماء والابتسامة لم تفارق شفتيها.. فرمقها ( ت ) بنظرة متهكمة
وقال :
** ماهذا التبسم؟! .. مشوارٌ جديد.. أم نصيحةٌ معتادة..؟!
** ليس هذا ولا ذاك.. إنما هو طلبٌ يسيرٌ .. لو فعلتَه فلن أطلب منك شيئًا
آخر مدة أسبوع..!!
** ( ؟!!! )
** صدقني ..!
** لا لا لا لا .. لا أكاد أصدق.. ( س ) الملحاحة لا تطلب مني شيئًا مدة
أسبوع..؟! .. هاتي إذن..
قالت وهي تزدرد ريقها بتردد :
** ال .. ال .. المؤذن في مسجدنا لم يؤذن لصلاة الفجر.. ما رأ.. ما رأيك أن
تؤذن بدلاً عنه..!
** (؟؟!!!!!!!)
** أرجوك يا ( ت ) .. أرجوك.. أحب أن أسمع صوتك وهي يملأ الكون بنداء
الرحمة.. أرجوك يا حبيبي.. إنها أمنيةٌ طالما حلمت بها.. أرجوك ..!
** اممممممممم .. ولا تطلبين شيئًا آخر مدة أسبوع..؟!
** نعم .. نعم.. بل أسبوعان إن شئت..
** طيب طيب.. ولكني سأخرج بعد الأذان مباشرة.. لأن جماعة المسجد لن يستوعبوا
منظر ( ت ) وهو يقيم لصلاة الفجر.. وهو الذي لم يدخل المسجد منذ جاورهم..!
فقالتْ.. واليأس ينسج خيوطَه حولها من جديد :
** افعل ما بدا لك.. ولكن أسرع قبل أن يسبقك أحد..!
* * * *
وارتفع صوت الحق من شفتي ( ت ) :
( الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ) .. ( أشهد ألا إله إلا
الله .. أشهد ألا إله إلا الله ) .. ( أشهد أن محمدًا رسول الله .. أشهد أن
محم............) وبدأ صوت ( ت ) يتقطع..!
لم يقوَ ( ت ) على إكمال الأذان إلا بصعوبة.. فالمشاعر التي انتابته كانت
أقوى من احتماله..
" يا إلهي.. أين كانت هذه السكينة والطمأنينة ؟! .. أي ضنك كان يُحيط بي ؟!..
أي شقوةٍ كنتُ أتردى فيها..؟! .. أي حرمان..؟! رحماك يا ربي.. رحماك..! "
وظلت تلك الخواطر تجلجل في عقله فلا يُظهرها إلا الدموع..!
* * * *
في مسجد ( .......) في شمال الرياض.. يصدح رجلٌ بالأذان خمس مراتٍ في اليوم
والليلة.. رجلٌ يحفظ القرآن كاملاً عن ظهر قلب.. وشرع في حفظ الصحيحين..
ويُلازم الدروس في جامع ( .....).. ويُكنى بأبي معاذ..
إنه أخونا ( ت ) ...!!
لو التزمَ جدارُ آل ( م ) لما التزمَ ( ر . م
) !!
في قاعة المحاضرات
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.. كان الجمعُ يرقبُ بإعجابٍ
وقائع مناقشة رسالة الماجستير في أصول الفقه.. الذي تقدم بها المُعيد بكلية
الشريعة ( ر . م ) ..
ومن بين أولئك الحاضرين كانت هناك عينان تُغالبان غشاوةً من الدموع التي
أغرقت حدقتاه.. وحُق لـ ( ع . ع ) ذلك.. فما يُشاهده الآن هو حلقةٌ من مسلسلٍ
بدأت فصوله في عام 1410 تقريبًا.. هناك بين جنبات المركز الصيفي بالمعهد
العلمي بحي الشفا في الرياض.. يومَ دخل شابٌ في بوابة المركز وكأنه يَدخل باب
بيتهم..!!
بدأت مشاكل ( ر . م ) من أول لحظةٍ دخل فيها إلى المركز.. تشاجر مع حراس
الباب.. وحُمل إلى غرفة مدير المركز بدلاً من الذهاب إلى غرفة التسجيل..!
وهناك كان أول لقاءٍ بينهما.. بين الشاب المتفتق فتوةً وعنفوانًا (ر . م )
وبين المربي المتألق حكمةً وبذلاً ( ع . ع ).. وكانت حادثة الشجار فرصةً لا
تفوت على مربٍ كـ ( ع . ع ) .. لأنه لمح في عيني ( ر . م ) بريق التميز
والنبوغ.. ولأن وراء كل مكروهٍ ظلالاً من الخير لا يُبصرها إلا المتفائلون..
!
لم يكن فارق السنوات بينهما كبيرًا.. فانعقدتُ بينهما خيوط المودة على اختلاف
الطباع.. فذاك قطبٌ 0 في ظاهره - سالب.. والآخر قطبٌ موجب.. ومع ذلك ينجذبُ
أحدهما إلى الآخر .. كما ينجذبُ قُطبا المغناطيس..!
وتعاقبت الأيام.. ومشاكل ( ر . م ) في المركز تزداد ظهورًا.. وقناعة المربي
وتفاؤله بمتستقبل واعدٍ له تزداد رسوخًا..!
وفي كل مرةٍ يتناقش فيها المشرفون في مشاكل ( ر . م ) ويفكرون في طرده.، وهم
يرددون ( لو التزم جدارُ بيت أهله.. لما التزم هو..! ) .. في كل مرةٍ يحدث
ذلك؛ . كان ( ع . ع ) يقف في صفه ويُقنع الإخوة بأنها أيامٌ قلائل.. وأن من
حق الشباب أصحابِ المشاكل الصبرَ عليهم ومراعاةَ طيشهم.. مادام ذلك في
الإمكان..!
وانقضتْ أيام المركز الصيفي..
وفي الحفل الختامي أهدى ( ع .ع ) لـ ( ر . م ) دعوةً للمشاركة في رحلة إلى
أبها .. والأصل أنه لا يخرج فيها إلا المتميزون في النشاط والأخلاق.. لا في
الشجار والإزعاج..!
ولم يكد يُصدق ( ر . م ) نفسَه.. وهو يمتطي مع الشباب الحافلة مُتجهين إلى
أبها.. وهناك تفتقت مواهبُه عن إبداعٍ في المقالب.. وفي التهرب من الدروس..
وفي التملص من كل برنامجٍ.. إلا البرنامج الرياضي.. وبرنامج تسلق الجبال..
وانقضت الرحلة أيضًا.. وبقي في الصيف بعض وقت..
لم يكن ( ر . م ) يفكر يومًا من الأيام في أن ينضم إلى حلقة تحفيظ للقرآن
الكريم.. كيف وهو الذي يتهكم بعيال الحارة حين يتركون مباريات الحواري
ليجلسوا بين أربعة جدران ..!
لم بكن يُفكر في ذلك.. حتى جاءه صاحبُ القلب الكبير.. ودعاه إلى التفكير في
التسجيل بإحدى الحلقات القريبة من بيتهم..
** " ... ولكني أستغل وقت العصر في المذاكرة وحل الواجبات .." ( !!! ) ..
هكذا كانت إجابته الأولى..
فابتسم ( ع . ع ) وقال غامزًا :
** وهل هناك مُذاكرة وحل واجبات في الصيف ..؟!
** ........
** ثم إنه لا تعارض بينهما لمن كان حريصًا مثلك..
** ولكن.. ولكن المسجد بعيدٌ عن بيتنا.. وأنا أخاف على نفسي من المشي في
الشارع.. فالشوارع كما تعرف مكان الشباب ( الخربانين ) !! ..
** لا مشكلة .. سأمر بك بسيارتي كل يوم.. هاه.. ما رأيك..؟!
** " تستهبل ؟! .. أنا أسكن في حي ......... وأنا أسكن في حي ........ !!
** لا عليك.. سأمر بك يوم السبت الذي يعقب عودتنا من أبها.. اتفقنا..؟!
** " اتفقنا.." .. قالها وهو يمط شفتيه بامتعاض خفي.. :hh:
* * *
* *
ومن ذاك السبت بدأت
فصول روايةُ صبرٍ وفألٍ تتصاغر أمامه كل عوائق السآمة وكل علائق اليأس
المُقعد..!
روايةٌ كل صفحة فيها ملأى بالتهرب والتملص والمتاعب.. وكم تأخر فيها ( ر . م
) على ( ع . ع ) فما تضجر.. وكم ضرب بمواعيده عرض الحائط فما تشكى.. وكم كذب
عليه وهو يعلم فما عنّف.. وكم حاول إملالَه بكل سبيلٍ فلم يفلح..!
إن قلوب الناس - في الغالب - ملأى بالخير.. لكن الران الذي يكاد يعلوها..
وتسويلَ الشيطان.. والنفسَ الأمارة.. كل أولئك يحتاج إلى انتفاضةٍ تطردها..
كما يطرد أريج الفأل فلول القنوط..
والمتميزون بخاصة.. يحتاجون لفنٍ في التعامل معهم.. لأنهم - في الغالب أيضا -
يجحدون ونفوسهم مستيقنة..!
وهذا ما كان من ( ر . م )..
فالمعروف لا يضيع سدى.. والفطرة الطيبة تثوب إلى نقائها ولو بعد حين.. ولذا؛
تكشفت الأيامُ عن شابٍ متميز في كل شئ.. فخيار الناس في الخير هم الذين كانوا
خيارَهم في غيره.. إذا التزموا.. وإذا وجدوا صدرًا يحتملهم ويصبر عليهم..
ويملأ جوانحه الفألُ والاستشار..!
* * *
* *
قطع ( ع . ع ) شريط
ذكرياته.. على صوت لجنة المُناقشة وهي تُعلن قرارَها بمنح ( ر . م ) درجة
الماجستير.. مع مرتبة الشرف الأولى..
وسكتت أنفاس الحاضرين وهو يرقبون ( ر . م ) يتجه صوب الصف الأول من الكراسي..
ليطبع قبلةً على جبين ( ع . ع ) ..
قُبلة شكرٍ..
وقُبلة وفاء..
قبلةً لخصت على قصرها دروسًا لا تُنسى :
~~ أن الجميل سيُثمر.. ولو بعد حين..!
~~ وأن الفأل لا يأتي إلا بخير..
~~ وأن الوفاء من شيم النُبلاء.. الذين لا تُنسيهم الأيام جميلَ من كان
وراءهم..
.
.
.
فطرةٌ .. فهداية ..!
كان يحبها.. بل يهيم
بها..!
خداها المتوردان..
عيناها الناعستان..
مبسمها الساحر..
بل هي الجمالُ.. لو جُسد الجمال بشرًا..!
كيف.. وقد زادتها البراءةُ حسنًا وجمالاً.. وألقت عليها فطرتُها الصافيةُ
بظلال السماحة والبِشْر.. وأضفى عليها إيمانها العميقُ من النور نورًا..
ما كان ينظر إليها بشهوةٍ وسُعار.. فهي ما تزال طفلة ذات ثمان سنوات.. وإنما
كان مشدوهًا ببراءتها وصدقها.. وشقاوتها أيضًا..
كان مقصرًا مذنبًا مسرفًا على نفسه.. ولربما كان حالُه هذا دافعًا له إلا
الإعجاب بها أكثر وأكثر.. فالنفس قد تميل إلى الذي تجد لديه ما تفقده.. خاصة
إن كانت تعلم في قرارتها أنها على خطأ.. وأن الخير كل الخير هناك.. في الحال
التي عليها مَن يُحب..!
وكذلك كان ( ف . ف ) .. يجحد ظاهرُه.. لكن داخلَه مستيقنٌ بالحق والخير..!
* * *
* *
في صغره كان قائدَ
عيال الحارة في كل شئ.. هو كابتن الفريق.. وهو العمدة.. وهو الآمر الناهي..
وطوته الأيام ليُصبح شابًا كبرت معه صفات طفولته.. فكان متصدرًا لرفقائه..
الذين كانوا معه كالجنود مع ضابطٍ صلد..!
وكان قائدًا لهم في تتبع الشهوات والنزوات.. ولا يسمع بواحدٍ منهم يفكر مجرد
تفكير بالالتزام إلا وقف أمامه بلسانه السليط وشخصيته القوية هازئًا
متهكمًا.. حتى يُعيده إلى الحظيرة.. أو يجعله عبرةً للمعتبرين..!
وأيسَِ أهلُه من صلاحه.. وماعادتوا يرجون منه سوى أن يكف عنهم شرَّه..!
حتى أتى اليوم الموعود..
كان أهلُه يريدون من الذهاب بهم إلى جنوب المملكة مع خالتهم ليصطافوا.. فوافق
بشرطٍ : أن تكون ابنةُ خالته وحبيبةُ قلبه ( غ . ت ) معهم في السيارة..!
* * *
* *
حُزمت الحقائب..
وشُدت الرحال.. واجتمعت العائلتان.. وابتهج ( ف . ف ) بالطفلة الأمورة التي
سترافقه كل الطريق..!
كانت والدته على مقعد الراكب الأمامي.. و ( غ . ت ) بينهما.. وهي على
عادتها.. تُمازح خالتها.. وتلعب هنا وهناك.. قد ملأت المكان بالشقاوة وعبث
الأطفال..!
أخرج ( ف .ف ) من سيارته شريط مطربه المفضل.. فأدخله في المسجل.. وبدأ ت
مزامير الشيطان تجلجل في جنبات السيارة وهي تشق الطريق شقًا..
وفجأة.. سكنتْ ( غ . ت ) في مكانها هادئة وادعة..!
حاول أن يستثيرها فلم يُفلح.. استفزها فما نفع.. توقف في عند محل التموين
فاشترى بعض الحلوى.. فما أجدت الرشوة..!
وساد المكانَ جوٌ من الهدوء.. عدا تلك النغمات العابثة التي ينهق بها المطربُ
المأفون..
قطع الصمت صوتُها وهي تهمهم وتتنهد.. وكأنها تحدث نفسها :
** " ... والله إنها مشكلة ..!! " ..
التفتَ إليها مستعجبًا.. وقال :
** مشكلة..؟! "
لم تُجبه.. بل يبدو أنها لم تسمعه.. فقد سرحت بخيالها بعيدًا.. وهي مطرقةٌ لا
يكاد يُسمع لها نفَس..!
وساد المكانَ الصمتُ مرةً أخرى..
ثم بدأ صوت بكائها يتعالى.. بل كان نشيجًا يهز صدرها الصغير هزًا..!!
قال لها بسرعة :
** " .. ما بكِ يا بنت..؟! "
** ............... " ..!
** " .. تكلمي.. وإلا أنزلتكِ هُنا.. هيا تكلمي..!! "
** " .. لقد.. لقد كنتُ أفكر في أمرٍ مخيف.. فأمي تقول لي إن ربي لا يُحب
الأغاني.. وأنا أخشى أن ينفجر إطار السيارة فتنقلب.. فأموتُ والأغاني تصدح
حولي.. فماذا سأقول لربي حينها ..؟! "
* * *
* *
على طريق الجنوب..
توقفت سيارةٌ بشكل مُفاجئ.. ونزل منها شابٌ يحمل معه كيسًا بلاستيكيًا
ممتلئًا.. أخذ يهوي بما فيه على الأرض.. ويطؤه بقدميه بانفعال.. ثم توقف..
ورفع رأسه إلى السماء.. وعيناه تُسبلان دمعًا سخينًا يغسل به أدران الماضي
البئيس المقيت.. ثم هوى على الأرض ساجدًا..
وفي الخلف وقفتُ خلفه طفلةٌ صغيرةٌ كأنها فلقةُ قمر.. وهي تُناديه وتُصفق
بيديها باستغراب :
" هل تُصلي التراويح في النهار..؟! .. هيا بنا.. فقد تأخرنا..!! "
رامـــــي- عضو نشيط
-
عدد المساهمات : 309
ورقة رابحة
ضع الأسم الذي تريده: 1
رد: نســـــــــ الامل ـــــــــــــات
شكرا رامي على هذه الكلمات الجميلة والمعبرة لولا امل الحياة بلا معنى
وتقبل مروري مع أجمل التحيات
وتقبل مروري مع أجمل التحيات
سيلين- عضو ناري
-
مدينتك : بيروت
عدد المساهمات : 5484
دوير المليحة جنات ع مد النظر :: دوير المليحة العــــــــــــــــــام :: العــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــام
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد سبتمبر 21, 2014 10:31 pm من طرف ميمي
» دفتر حضور يومي
الأحد سبتمبر 21, 2014 10:18 pm من طرف ميمي
» العملية الجنسية
الإثنين أغسطس 12, 2013 1:49 am من طرف emadTarraf
» فوائد البوسة
الإثنين أغسطس 12, 2013 1:37 am من طرف emadTarraf
» الشهيد البطل رائد عبدو ديب
الإثنين يونيو 03, 2013 4:13 am من طرف hadideeb
» فن تعري الزوجات أمام أزواجهن ** منقول للفائدة
الأحد مارس 03, 2013 4:05 pm من طرف kaouthar
» الرجل يحب أربع أنواع من النساء!!!
السبت مارس 02, 2013 3:13 pm من طرف kaouthar
» صوت العقل
الثلاثاء يناير 01, 2013 12:09 am من طرف hadideeb
» للطفل مريض السكر
الخميس أكتوبر 18, 2012 5:53 am من طرف عمرالفولي
» أمراض الأطفال حديثي الولادة
الخميس أكتوبر 18, 2012 5:50 am من طرف عمرالفولي
» رعاية الأطفال المعاقين عقليا .....
الخميس أكتوبر 18, 2012 5:47 am من طرف عمرالفولي
» من النيل الى الفرات ... شرح بسيط جداً جداً
السبت أكتوبر 13, 2012 12:46 am من طرف hadideeb
» بعض من مواصفات الإرهابي
السبت أكتوبر 13, 2012 12:44 am من طرف hadideeb
» مندس يحكي وعاقل يسمع
السبت أكتوبر 13, 2012 12:44 am من طرف hadideeb
» مرحبا
السبت أكتوبر 13, 2012 12:14 am من طرف hadideeb
» كاتبة فرنسية تطالب بمحاكمة الصهيوني برنار هنري ليفي أمام محكمة لاهاي
الإثنين سبتمبر 17, 2012 7:22 am من طرف الكوتش2
» الاخضر الابراهيمي يوجه صفعة لرئيس وزراء قطر
الأحد سبتمبر 16, 2012 9:32 am من طرف الكوتش2
» عاجل | فجرت بطلة الفيلم المسيء للرسول سيندي لي غارسيا مفاجأة من العيار الثقيل
الأحد سبتمبر 16, 2012 9:25 am من طرف الكوتش2
» فشة قهر...الا محمد
الأحد سبتمبر 16, 2012 9:22 am من طرف الكوتش2
» حرب الاسكات … ماذا يحضرون الى سوريا ؟
الخميس سبتمبر 06, 2012 3:59 am من طرف عاشق سورية الاسد
» تدهور صحة أمير مشيخة قطر.. وامريكا تشرف على نقل السلطة الى ولي العهد
الأربعاء أغسطس 29, 2012 5:04 am من طرف عاشق سورية الاسد
» حماس.. ياوردة سوداء في ذاكرتي.. ويا وردة سوداء في أفواه البنادق إني أريد أن أزرع ذاكرتي بشقيق النعمان الأحمر.. وأن أهدي للبنادق.. مقابض السنديان وأن أغسل حزنها بالنار فوداعاً.. ياحماس
الأربعاء أغسطس 29, 2012 5:00 am من طرف عاشق سورية الاسد
» كشفت وكالة أوتكا الروسية وثيقة سرية سربها أحد الجواسيس الروس في البيت الأبيض النقاب عن أكبر عملية اختراق و تسلل معلوماتي في القرن الحادي و العشرين...
الأربعاء أغسطس 29, 2012 4:56 am من طرف عاشق سورية الاسد
» رسالة موجهة إلى تنظيم القاعدة وجماعة إخوان الشياطين
الأربعاء أغسطس 29, 2012 3:54 am من طرف عاشق سورية الاسد
» وليد المعلم يتهم واشنطن بتشجيع مقاتلي المعارضة السورية
الأربعاء أغسطس 29, 2012 3:40 am من طرف عاشق سورية الاسد
» المطران حنا: سنبقى مع سورية مهما كثر المتآمرون والمتخاذلون
الأربعاء أغسطس 29, 2012 3:27 am من طرف عاشق سورية الاسد
» لا تقلقي اسرائيل ..؟؟
الجمعة أغسطس 24, 2012 8:31 am من طرف عاشق سورية الاسد
» دمشق تُعطي أوامر لسلاح صواريخها المُذخّر بالرمي على أهدافه الإقليمية
الجمعة أغسطس 24, 2012 5:57 am من طرف عاشق سورية الاسد
» المقالة الشكسبيرية : يوليوس قيصر الدمشقي لايعبأ بمزامير سفر المزامير
الخميس أغسطس 23, 2012 9:41 pm من طرف عاشق سورية الاسد
» هل يعيد الإعتذار الشرف للغانيات ......
الخميس أغسطس 23, 2012 5:06 am من طرف عاشق سورية الاسد
» .. الراحلون من التاريخ .. "بقلم : جو غانم"
الثلاثاء أغسطس 07, 2012 10:57 pm من طرف عاشق سورية الاسد
» الأخوان المسلمون يتهمون العميد مصطفى الشيخ بتسريب أخبارهم لـ"الحقيقة" ويتحضرون لاغتياله!؟
الأربعاء أغسطس 01, 2012 7:52 am من طرف عاشق سورية الاسد
» الفيغارو : تفاجئنا بمعنويات الجيش العربي السوري
الأربعاء أغسطس 01, 2012 7:40 am من طرف عاشق سورية الاسد
» الجيش العربي السوري ادهش العالم واسرائيل بعد تفجير الامن القومي
الأربعاء أغسطس 01, 2012 7:12 am من طرف عاشق سورية الاسد
» "دبكا": أنباء عن اغتيال رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان
الأربعاء أغسطس 01, 2012 6:55 am من طرف عاشق سورية الاسد