النجاح فى الابتلاء

الدنيا دار ابتلاء وامتحان ، والابتلاء يأتى عندما تتعارض المصالح الشخصية والطموحات النفسية مع المبادئ والقيم ، والإنسان بحكم تكوينه يسعى دائما للفوز والنجاح والتميز والتأثير فى الآخرين وامتلاك النفوذ والسطوة ، وكلها مصالح تطلبها النفس البشرية ، والإنسان مستعد بطبعه ليقاتل ويناضل لتحقيق تلك المصالح ، ومع أن هناك مصالح يحميها الشرع وتصونها الأعراف مثل المال والدم والعرض كما فى حديث النبى ( صلى الله عليه وسلم) : (من مات دون ماله فهو شهيد ، ومن مات دون عرضه فهو شهيد ، ومن مات دون أهله فهو شهيد) ولكن ـ للأسف الشديد ـ تطلع الإنسان الى المصالح لا حدود له ، فهو يريد الشهرة والنفوذ والتملك والهيمنة ، وكلما مضى فى طريقه وجد من هو أعلى منه فى ذلك فيزداد طلبا ونضالا.


والدنيا دار ابتلاء حيث المبادئ والقيم والمعتقدات والأخلاق التى غرست فى نفس البشر على وجه العموم لتصون بشريتهم من الحيوانية قال الله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) والناس مهما كانوا يحاولون التمسك ببعض هذه المبادئ والقيم التى تشعرهم بانسانيتهم ولكن المصالح كثيرا ما تتعارض مع المبادئ والقيم ، وكلما زاد ايمان العبد كلما شعر بتأنيب الضمير اذا غلبت المصلحة على المبادئ والقيم وكلما ضعف دينه وقلت تقواه تغلبت المصالح وانسحبت القيم والمبادئ فالناس يريدون أقصى وأعلى حد من المصالح ودون أن يدمروا المعانى السامية فى نفوسهم ، فإذا أراد أحدهم أن يصبح من أغنياء الدنيا خلال عمر قصير فكأنه أراد أن يتخفف من قيود الشرع والمبادئ والقيم مقابل الأعمال الفاسدة التى سيتعرض لها من الربا والرشاوى والظلم لحقوق الناس ، بالمماطلة والتسويف والخيانة والغدر والخداع ، كما أن عليه أن يبخل بماله ويشح به على الآخرين ، ليصبح ذلك الغنى الثرى الشهير.


وبنظرة على بعض أصحاب الثروات الكبيرة نجد هذا واضحا فى حياتهم، الجرأة على المحرمات والشبهات فى حال جمع الأموال ، وهكذا فإن محاولة الحفاظ على القيم والمبادئ وكذلك السعى فى المصالح وجلب الثروات إنما هو محاولة للجمع بين ضدين مختلفين كما فى حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (ما ذئبان جائعان أرسلا فى غنم بأفسد لها من حرص على المال والشرف لدينه) فإما أن نضحى ببعض المصالح ثقة بالرزق الموعود وإما أن نتخلى عن بعض المبادى والقيم والأخلاق. واعلم أنه كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم (أيما جسم نبت من حرام فالنار أولى به)
إن سعادة الإنسان الذى يحافظ على قيمه ومبادئه ومعتقداته الشريفة لا توصف وأعظم من الظفر بواحدة من مرغوبات الدنيا الفانية.