شباب وشابات يفضلون الانعزال بعيدا عن الأهل

كثيرون عاشوا تلك الاجواء التي تنجم عن غربة احد افراد العائلة. فترى شبح الغربة يخيم على ردهات البيوت وغرفها .في السابق ، كان الناس مجبرين على عيش اجواء الغربة بهدف التعليم او العمل. الا ان تغيرا حدث على اجواء بيوتنا التي باتت غرفها وصالاتها تعاني عزلة واغترابا في ظل وجود قاطنيها.بعد اسري ورغبة في الانفراد بغرف ومساكن خاصة كان مدعاتها في السابق زواج الابناء وخروجهم من منازل اهلهم واليوم لماذا هذه العزلة ولماذا هذه الرغبة في الانفراد والاستقلال بعيدا عن الاهل وعن الاخوة حتى في سن مبكرة ؟؟

منازل داخل المنازل
تقول السيدة وداد”انا ام لأربعة ابناء لكل منهم نمط حياة مستقل وساعات عمل وأوقات مختلفة عن الآخر. أحس اننا عائلة يجمعها السقف فقط ، بينما لا روابط بين أفرادها ولا اهتمامات مشتركة تجمع بين ابنائي باستثناء تلك الاعطال التي قد تطال جهاز الهاتف او الكمبيوتر الخاص بأحدهم”. وتضيف”: فمثلا ابنتي تعود من جامعتها إلى غرفتها بمجرد دخولها إلى المنزل وفي احيان كثيرة تفضل الأكل بمفردها ايضا في غرفتها لأنها لا تحب الا اكل الساندويشات”.اما الآخرون فلهم مواعيد عودة ونوم وأكل مختلفة حتى يوم الجمعة تراهم مشغولين عنا وعن بعضهم وملتزمين بغرفهم واجهزة الحاسوب الخاصة بهم او مع اصدقائهم”.
وتضيف السيدة وداد” حاولت انا ووالدهم ان نقارب بينهم الا ان اعذارهم كانت ذاتها في كل مرة والتي تصب في خانة عدم الانسجام والميول والاهتمامات المختلفة”. ولأن الوضع اقلق السيدة وداد التي عاشت في كنف اسرة ممتدة كان الدفء والتقارب الاسري عنوانها ، دفعها الامر الى استشارة اخصائي علم اجتماع الذي اكد لها ان الانفتاح الاعلامي وتغير الظروف الاقتصادية هو السبب الرئيس وراء عزلة ابنائها الذين تأخذهم دوامة الحياة بصورة تجعلهم ينشغلون عن الاهل وعن قضاء الوقت معهم الى جانب ان طبيعة الحياة نفسها تفرض على الأسرة ان تعيش بهذه الطريقة وحتى وان لم يكن الوضع السائد يروق لهم ، وغالبا ما يكون للعمل أو الدراسة الدور الاكبر في انعزال أفراد الأسرة من بعضهم البعض”.

حرية بعيدا عن تدخل الأهل والإخوة
وتؤيد الطالبة المغتربة “مريم”فكرة انفراد الشباب بغرف او سكن خاص بهم حتى انها متحمسة لها بسبب ما يؤمنه السكن الخاص من حرية للشاب او الشابة ليمارس طقوسه وعاداته وروتينه بمعزل عن تدخل الأهل او الإخوة ، ولـ”مريم” تجربة خاصة حيث انها تسكن في غرفة خاصة بها حيث تدرس في احدى الجامعات الاردنية وهي كمغتربة فضلت ان تنفرد بنفسها وتستقل على ان تشارك غرفتها مع احدى الطالبات لانها تحس بانها لا تستطيع ان تدرس او تمارس حياتها العادية في غرفتها اذا ما شاركتها احدى الصديقات فيها .
وكذلك تفضل “مريم” أن تنفرد بغرفة مستقلة في منزل أهلها بعيدا عن تدخل الاخوة والأهل حيث انه ليس شرطا ان تكون متفاهمة مع اختها لدرجة مشاركتها في نفس الغرفة ، فهي قد تحب السهر او القراءة ليلا او الصحو مبكرا بينما اختها او صديقتها تحب عكس ذلك ، لذا فانها تنشد حريتها مفضلة البقاء وحدها .
وتذكر “مريم” سلبية واحدة وهي انها في بعض الأوقات قد تفتقد للتحدث مع أحد وهي ملتزمة غرفتها لفترة طويلة ، الا ان روح الاستقلالية التي تتحلى بها تجعلها تتجاهل تلك السلبية .

الرقابة هي السبب
أما”دانا “فهي ترفض تلك الظاهرة الآخذة بالانتشار بين مجتمع الفتيات والشباب على حد قولها وتقول” انا أتساءل هنا وأوجه السؤال للشباب لماذا يريدون الاستقلال المبكر الى حد ان البعض يطالب الأهل ببناء غرفة خاصة به فوق منزل اهله او غرفة ملاصقة لبيت الأهل ؟ انها ظاهرة غريبة نوعا ما على مجتمعنا فنحن لم نعتد على الاستقلال المبكر إلا في حالات خاصة كظروف العمل او الدراسة الجامعية في منطقة تبعد عن منزل الأهل ، فيما عدا ذلك يكون الزواج فقط هو السبب الاساسي لانفصال الفتاة او الشاب عن سكن الأهل”.
وتضيف دانا “على أية حال انا أرى ان سلبيات تلك الظاهرة تفوق ايجابياتها بكثير نظرا لمشاهادتي خلال فترة دراستي في الجامعة فقد وجدت ان الطالبات بصفة خاصة يتحررن من قيود المجتمع ورقابة الأهل الصارمة واعتبرن وجودهن بعيدا عن الأهل مدعاة للتحرر من جميع القيود التي كانت مفروضه عليهن ، وللأسف تغيرن بهذه الاستقلالية الى الاسوأ حيث تغيرت طريقة لباسهن وتصرفاتهن لانهن تنعمن بحرية من خلال الانفراد في بيوت خاصة او في غرف للسكن خاصة بهن”.
وأضافت دانا “ولكن لا احبذ التعميم هنا بل انه من الظلم التعميم ، حيث ان كل ما سبق ذكره يعود لدور التنشئة المنزلية والاسرية”. وليس بعيد عن رأي دانا يقول مروان حمودة “بالنسبة لي فانا لا أحبذ هذه الفكرة لانها تفقد وتباعد من الروابط ما بين الشاب او الشابة وأهله او اصدقائه ، فالحياة الأسرية مهمة بالنسبة لي ونحن نشأنا على أسس ان التشاور والحوار ما بين جميع افراد الاسرة شيئا اساسيا وضروريا ، وباستغناء الشاب او الشابة عن هذه المقومات وبانفراده في غرفة خاصة ليستقل بها بنفسه أرى انها تباعد ما بينه وما بين أهله”.
ويضيف حمودة “برأيي ان للاستقلال المبكر سلبياته بحيث لا يضع الابن او الابنة اهلهم واحتياجاتهم ومطالبهم من ضمن أولوياتهم بل يجعل منهم اشخاصا انانيين” ويرى حمودة ان سبب رغبة الابناء في الانعزال هو (الرقابة والحصار) على تحركات الشاب او الفتاة من قبل الاهل الامر الذي يجعل الابناء اكثر اصرارا على الانفراد في غرفة خاصة او سكن خاص لاخذ الراحة المنشودة والحرية المفقودة ولدعوة الاصدقاء للتسامر او لممارسة هواياتهم بعيدا عن جو الاسرة المراقب”،،.

وبعد
ربما وجب على الآباء مسك العصا من المنتصف في سعيهم الى تقليص المسافات العاطفية بينهم وبين ابنائهم حتى يتمكنوا من اكتشاف قدرات ابنائهم ومواهبهم بصورة تساعدهم على زيادة الالفة وتوحيد الاهتمامات لتقل الغربة في البيوت ويعم الأمن النفسي على افرادها. وربما وجب على الابناء مراعاة ذويهم الذين تزيد حاجتهم الى وجودهم الى جانبهم كلما كبروا .لابد من تلاقي الجيلين في نقطة منتصف تجمع ولا تفرق تقرب ولا تغرب.

تسلم ايدك شادى