فرنسا ساركوزي والجائزة الكبرى ما بعد القذافي ---------------------

فرنسا كانت أول دولة اعترفت بالمجلس الانتقالي الليبي، وأولى الهجمات العسكرية ضد القذافي كانت فرنسية، واليوم حل رئيسها نيكولا ساركوزي برفقة صديقه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون زائرا لحكام ليبيا الجدد، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ علاقات ليبيا مع الغرب، ولكن هذه المرة بدون العقيد معمر القذافي.
ويسعى ساركوزي، منذ انتخابه رئيسا لفرنسا، إلى استعادة قوة ونفوذ بلاده على الصعيدين الأوروبي والدولي، وجاء حراك فرنسا ساركوزي مواتيا لتيارات سياسية داخلية تدعو للحفاظ على مصالح باريس في الخارج، وظهر هذا الأمر جليا في موقفه من بعض النزاعات في افريقيا ومن زيارته للولايات المتحدة فور انتخابه، وما أطلقه على تحالفه مع واشنطن حين تكلم عن "قيادة العالم الحر"
لم يكن يعكر صفو العلاقات بين باريس وطرابلس أي خلاف، فقد وقعت فرنسا مع ليبيا القذافي اتفاقيات اقتصادية وعسكرية خلال العشر سنوات الأخيرة، لكن فرنسا ساركوزي لم ترض عن تحرك القذافي إفريقيا في اتجاه نفوذها (غرب إفريقيا)، والاتحاد الافريقي وسعيه الدؤوب لإقامة البنك الافريقي، ما من شأنه أن يعيق استفادة باريس اقتصاديا من موارد دول افريقيا الفرنكوفونية، ويهدد نفوذ سيد الإليزيه في القارة السمراء وجنوب المتوسط.
وكان لوهج الثورتين المصرية والتونسية، ولجوء الشعب الليبي إلى خيار الثورة برغبة جارفة نحو التغيير والتخلص من نظام القذافي، تأثيرا في أن تبدأ باريس في العد التنازلي لنظام العقيد ونفوذه الافريقي.
تحرك فرنسا كان بمثابة رأس حربة سياسية وعسكرية في قلب نظام استمر ما يربو عن أربعة قرون حاكما للبلاد والعباد، وكان عنف النظام ودمويته في مواجهة الثوار الليبيين، مقدمة مهدت الأرض أمام تحرك سياسي وعسكري كانت تتأهب لهما فرنسا ساركوزي، فكان قرارا مجلس الأمن 1970 و 1973 وبداية التدخل العسكري، متغير الأهداف على غرار ما حدث في العراق، فمن حماية المدنيين إلى إسقاط النظام، ثم البحث عن القذافي.
ومع سقوط العاصمة طرابلس وسقوط القذافي، وإن استمرت قواته بالقتال، يستعد الغرب بقيادة ساركوزي لنيل الجائزة الكبرى من الانتقالي الليبي، خاصة وأن رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل صرح بأن الأولوية في ليبيا ما بعد القذافي للدول التي دعمت المجلس، وسبقته تسريبات في إحدى الصحف الفرنسية بأن المجلس تعهد بتأمين 35 بالمئة من النفط الليبي لباريس مقابل دعمه في سقوط القذافي.
وجائزة الانتقالي الليبي لساركوزي ورفاقه لن تقتصر على النفط والغاز بل عقود إعادة إعمار ما دمرته الآلة العسكرية، جاء تقديرها من المجلس ذاته ب 200 مليار دولار، وتتسابق عليها دول شاركت في الحرب وفي فرض الحظر الجوي ومنها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة.
كشفت صحيفة "الغارديان" أن شركة "بريتش بتروليوم" تجري محادثات خاصة مع أعضاء بالمجلس الانتقالي في ليبيا، معتبرة أن ليبيا واحدة من الدول الحيوية في مجال إنتاج الطاقة، وسبق ل "بريتش بتروليوم" أن تعهدت بإنفاق أكثر من مليار دولار على خطط استكشافية أثناء فترة حكم العقيد الليبي معمر القذافي.
وصرح وزير الخارجية الإيطالي بدوره للتلفزيون الرسمي بأن شركة "إيني" الإيطالية للنفط ستلعب الدور الأول في المستقبل النفطي الليبي.
كما تعهدت الحكومة الألمانية بتقديم الدعم في إعادة إعمار البلاد.
أما الولايات المتحدة فتسعى إلى لعب دور أمني في ليبيا ما بعد القذافي من خلال تصريح فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ب "أن بلادها ستنظر بشكل إيجابي في طلب يتقدم به المجلس الوطني الانتقالي الليبي إلى الأمم المتحدة لتعزيز صفوف الشرطة".
وسبقته الوزيرة كلينتون بالقول:
"سنراقب الثوار للتأكد من أن ليبيا تتحمل مسؤولية تعهداتها وأن مخازن الأسلحة الموجودة لديها لا تهدد جيرانها، وأن ليبيا لن تقع في أيد سيئة، وأنها تبدي حزما تجاه عنف المتطرفين."
لاشك في أن الجائزة الكبرى ستكون من نصيب فرنسا ساركوزي والتي لن تقتصر على الكعكة الليبية، إنما تمتد إلى استعادة نفوذ قل تأثيره في غرب إفريقيا بسبب مشاريع القذافي الإفريقية.
ويبقى التحدي الأكبر أمام الانتقالي الليبي هو درجة التدخل الأجنبي في شؤون ليبيا الجديدة خاصة تلك الدول التي دعمت المجلس في إسقاط القذافي وتنتظر حصتها من الكعكة.
فالدول التي تحركت في مجلس الأمن وأنفقت الملايين في العمليات العسكرية تنتظر يوم الحصاد.

---------------------
هذا المقال نشرته وكالة أنباء موسكو